د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
الكثير من حاجاتنا اليومية نقضيها مباشرة، إما بشرائها من الأسواق، أو بدفع فواتير استهلاكها، مثل الماء والكهرباء والهاتف، أو بدفع قيمة اشتراك مسبقة، تتيح الحصول عليها، مثل التأمين الطبي والصحف والمجلات، وغير ذلك. ومن الحاجات ما لا نشتريه مباشرة، وإنما نشترى حق الاستفادة منه بواسطة تذكرة أو بطاقة، تخولنا ذلك الحق في مكان ووقت محددين، مثل تذاكر السفر وتذاكر السينما وتذاكر المباريات، وغيرها. كل ذلك يبدو منطقيًّا، ويخدم صاحب الحاجة، حتى لو اعترض أحد وقال مثلاً: ما هو المنطق في دفع اشتراك التأمين لمدة عام مسبقًا وأنا قد لا أذهب للطبيب في ذلك العام؟ هذا هو منطق التأمين نفسه؛ فهو توزيع للمخاطر، وتشارك بين الناس في دفع الضرر الذي إن لم يصبك اليوم فقد يصيبك غدًا، وهو أيضًا - كما يقول معالي الشيخ عبدالله المنيع - شراء للأمان. على أنك في بعض الأحيان تجد شيئًا لا يتفق مع أي منطق، وذلك في مثل معارض الترفيه الأسرية التي تقام بإذن هيئة الترفيه (وتسمى أيضًا فعاليات events). الهدف من إقامتها جميل فعلاً، وهو إتاحة المجال للأسرة للاستمتاع بنزهات عائلية في ساحات فسيحة، تُعرض فيها أطعمة وحلويات ومنتجات وسلع متنوعة. لكن نظام هذه المعارض فيه بعض التعارض المخالف للمنطق؛ فإن الأصناف المعروضة تُباع بأسعار مرتفعة، وتبرر العارضات ذلك بارتفاع تكلفة استئجار ركن العرض؛ ما يعني أن تكاليف تنظيم الفعاليات مغطاة برسوم تأجير المحال. إلى هنا والأمر منطقي، ولكن أين المنطق في فرض تذكرة دخول باهظة الثمن على كل مرتاد للمعرض، إذا كان أحد أغراض معرض الفعاليات هذه بيع المعروض الذي يتطلب جذب أكبر عدد من الرواد؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن في هذا الأسلوب ظلمًا لمن يشتري من المعروض؛ لأنه يدفع مرتين: مرة عند الدخول ومرة عند الشراء. فإن كان لا بد من ذلك فالمنطق يقول: إما أن تكون قيمة التذكرة رمزية لغرض ضبط الدخول، أو أن يسترجع المشتري عند الخروج جزءًا من قيمة التذكرة، يتناسب مع فاتورة مشترياته (والحل الأول أبسط). ولكنَّ أمرًا آخر يدعو للتساؤل، وهو الاستعانة بفتيات متطوعات للمشاركة في تنظيم الحركة وإرشاد الزوار بدون مقابل مادي، ما عدا شهادة تطوع، ويؤخذ على ذلك توقيعهن بالموافقة!! فلماذا التطوع والفعاليات ليست خيرية ولا هي احتفالية، بل أنشطة تدر أرباحًا؟ للمقارنة، يمكن ضرب مثالين من الخارج ومن الداخل. الأول يعرفهكل سائح يتاح له أن يصادف معرضًا لمنتجات محددة أو متنوعة، كالأطعمة أو الحلويات أو المشغولات أو الهدايا (سوق مؤقت في ساحة مركزية) في موسم ما، أو يوم معين في الأسبوع، فإنه يدخل بدون تذكرة دخول، ويتفرج كما يريد دون أن يطالبه أحد بالشراء؛ لأن المطلوب جذب الزبائن لزيادة عدد الراغبين في الشراء، ومن الدخل يتم تغطية تكاليف الإيجار والتنظيم. والمثال الثاني لا تزال ذكراه تثلج الخاطر، وأعني به معرض الكتاب. فالجمهور يرتاد هذا المعرض من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساء، ولمدة عشرة أيام، دون حاجة لقطع تذكرة دخول أو دفع رسم ما. والمنطق في هذا واضح، وهو الرغبة في جذب أكبر عدد من الزوار لنشر الاهتمام بالثقافة، والتعرُّف على مدارس الفكر المختلفة، واقتناء ما يشاؤون من الكتب، وهو ما يسعى إليه العارضون بلهفة. أما تكاليف تنظيم المعرض فهي مغطاة برسوم تأجير محال العرض، والجهة المشرفة والراعية للمعرض هي على أي حال جهة حكومية (وزارة الثقافة والإعلام) التي لا تهدف إلى تحصيل إيراد، بل لخدمة الثقافة. ولا شك أن في تيسير اقتناء الكتب خدمة للثقافة. ولا يمكن مقارنة ما سبق بشراء الحق في الانتفاع بالخدمة دون اقتنائها أو استهلاكها؛ لأن العديد من الناس يشتركون في الانتفاع بالخدمة نفسها؛ ما يتطلب تقنين الوقت والمكان والسعر بواسطة البطاقات أو التذاكر. فعندما تذهب للسينما - مثلاً - فأنت تقطع تذكرة دخول، وتدفع ثمنها الذي هو قيمة مشاهدة الفيلم. وكذلك الحال عندما تذهب لزيارة متحف لتثقف نفسك بما يحتويه من كنوز أثرية أو فنية، فإنك تدفع ثمن التذكرة التي تخولك الدخول، ومشاهدة محتويات المتحف، وليس لاقتناء شيء من محتوياته. عكس ذلك نراه عندنا في مهرجان التراث والثقافة بالجنادرية الذي يقيمه كل عام الحرس الوطني، ويرتاده على مدى أسبوعين مئات الآلاف من الزوار. لكن أبواب المهرجان مفتوحة للجميع بدون رسم دخول؛ ليستمتعوا بما يشاهدونه، وليس ليشتروا ما يعرض فيه باستثناء أصناف قليلة من المأكولات؛ لأن الهدف أصلاً يظهر من اسمه، وهو خدمة التراث والثقافة. وفي رأيى، إنه لو تقرر وضع تذكرة دخول بسعر رمزي (خمسة أو عشرة ريالات) فإن ذلك يؤكد القيمة المعنوية للمهرجان ولما يعرض فيه من فعاليات تراثية وفنية، ولا يصد الناس عن المجيء إليه؛ لأن الرسم ضئيل، ولو لم يكن لتذكرة الدخول من فائدة مادية إلا تغطية بعض التكاليف الجانبية، مثل الصيانة والنافة والحراسة لكفى، بل ربما تكون حافزًا لمزيد من التجديد والتنظيم.
خلاصة الأمر: إن تذاكر الدخول - إن وُضعت - يمكن أن تكون عادلة أو مجحفة حسب الهدف الذي تقام من أجله الفعاليات، أو الذي يقدم من أجله الزوار.. وقد تكون بمنزلة عقوبة للزائر إذا كان عليه أن يدفع ثمنًا باهظًا مرتين كما في فعاليات الترفيه الأسري.