د. حمزة السالم
يا بني لا تجرب الخمر، ولا تغتر بمن يشربها من بعض عقلاء وفضلاء المسلمين وبمن يشربها من غالب غير المسلمين. فأما غير المسلمين فقد تربوا على ثقافتها واعتادوا عليها. وهم على هذه المعرفة والثقافة، يعاني واحد من كل عشرة من الإدمان والاعتماد عليها فضلا عن نسبة أكبر فيمن يعانون من مشاكل كحولية أقل درجة من الإدمان. وأما من شربها من بعض عقلاء المسلمين وفضلائهم قديما وحديثا ولم يدمنوا عليها أو يقعوا أسرى لها، فهم ندرة بين غالبية العرب عموما والسعوديين خصوصا ممن جربوا الخمر.
يا بني لا تجرب الخمر. فالإحصاءات العلمية الغربية تشير إلى نسبة عالية من الإدمان على الكحول. ففي أمريكا ثلاثة عشر مليون مدمن على الكحول أي واحد إلى كل ثلاثة عشر ممن يشرب الكحول. وأتوقع لو أن عندنا في السعودية إحصائيات لوجدنا أن نسبة السعوديين -ممن جربوا شرب الكحول- والذين يدمنون على الكحول أو يصبحون أسرى لها، أعلى بكثير. وأعتقد أن ذلك عائد إلى عدم وجود ثقافة توعية بالخمر. وبسبب المنع، فيفرط في شربها في الخارج في فترة قصيرة فيقع في الإدمان. ولعله كذلك اختلاف في جينات العرب الوراثية عن غيرهم، فالعرب إذا شربوا الخمر أفرطوا فيها غالبا إلا من رحم الله. ومن أدمن على الخمر فقد حياته وساء مماته بآثارها، وضاعت مروءته إن كان ذا مروءة، وخسر رزقه ونبذته الأصحاب والأحباب، وما عاد خليلا إلا للخمر يخلو بها ويناجيها في حضورها وغيابها. وكم رأيت من شباب كانوا قرة عين لأهلهم ووطنهم، شربوا الخمر تحت تأثير ضغط الأصحاب والشلل -وخاصة في الخارج- فما عادوا بعدها قرة عين بل حرقة قلب ودمعة عين. والخمر كذلك تحفز خروج كثير من الأمراض النفسية الوراثية الكامنة، ولهذا -والله أعلم- تكثر هذه الأمراض في الغرب.
يا بني لا تجرب الخمر، وأني وإن لم أجرب الخمر أو أي مسكر قط لا قليله ولا كثيره -لا تذوقا ولا تجربة- فقد عصمني الله منها بفضله ومنته وبتجربتي السابقة في صغري لتدخين التبغ، فتعلمت قاعدة استفدت منها كثيرا في حياتي من تجربتي لتدخين التبغ في صغري-: لا تجرب شيئا لا تعرفه وقد تأكد عنه أن ضرره أكثر من نفعه. وشرب الخمر من هذه الأمور. فالحال لا يخلو من ثلاثة احتماليات. فإما أن تجربه ولا تقع أسيرا له أو تقلع عنه بعد ذلك، ثم تعيش حياتك بعد ذلك متأسفا عليه متمنيا له. وأما إن تحكم نفسك وتضع له حدودا، فإن للخمر مضار مستقبلية متنوعة قد لا تسلم منها. وإما إن تصبح أسيرا له، وهو الغالب بين صغار السعوديين خاصة، فلم تأسر نفسك وتسجنها وقد كنت حرا طليقا.