د. محمد بن إبراهيم الملحم
كان هذا عنوان مسلسل تلفزيوني كويتي رائع عرض في الثمانينات الميلادية، بطولة الفنان خالد النفيسي - رحمه الله - والفنانة حياة الفهد ونخبة من الممثلين الكويتيين، ولا يزال كثيرون يتذكرون ذلك المسلسل الاجتماعي الفريد بما تضمنه من حس تربوي رائع، حيث تمحورت قصته حول معاني تربية الآباء لأبناهم والمشكلات التي يواجهها كل منهم في هذه العلاقة المثقلة بهموم التربية والتنشئة الاجتماعية القويمة من جانب الوالدين وأزمات الفهم والتفهم التي يتطلع لها الأبناء من جانبهم. وقد جاءت في سياق متصل بحياة الأبناء المدرسية والمتغيرات التي تتفاعل مع حياتهم الأسرية بتقاطعها مع قيمهم ومعرفتهم الاجتماعية أو بتفردها كمؤثرات خارجية تحاول تشكيل حياتهم الشخصية مما يولد نقطة تماس تستثير الأسرة في صورة اجتماعية تتكرر في كل منزل ويعاني منها كل الآباء تقريباً، فهي في شكل من أشكالها تفاعل فيما بين أجيال متباينة وفي شكل آخر صورة نمطية للحوار الأسري الذي يبدأ بين الزوجين منذ بداية علاقتهما ولا ينتهي بقدوم الأبناء بل يبدأ في طور جديد مرحلة بعد مرحلة تمثل فيها حياة الأبناء المدرسية واحدة من أبرز محطات هذا الحوار أياً كان شكله أو طعمه أو رائحته وسواء إيجاباً أو سلباً.
لقد أبرز «إلى أبي وأمي مع التحية» دور المشرف الاجتماعي أو ما نسميه اليوم «المرشد الطلابي» وعلاقته الأخوية بالطالب، وكذلك عنايته بمؤثرات الحياة المنزلية عليه سواء من الناحية الأكاديمية الدراسية أو من الناحية النفسية السيكولوجية، كما صور لنا المدرسة في نمطها العملي الفعال سواء في دور المعلم أو الهيئة الإدارية، وهو في جملته قدم لنا قيماً اجتماعية للأسرة بصورة فنية متقنة أحكم المؤلف كتابتها وأبدع المخرج والممثلون بكل اقتدار في إخراجها بصورة مقنعة لامست حياة كل المشاهدين سواء من الآباء الذين تابعوه باهتمام أو حتى المراهقين الذين شاهدوا حلقاته بكل شغف (وكنت حينها ضمن هذا الفريق)، وبحسب الويكيبيديا فإن أساتذة تربويين من جامعة الكويت أسهموا في الإشراف على هذا العمل كما أولته السيدة عواطف البدر عنايتها الخاصة.
أجمل ما في الأمر أن المسلسل ظهر بهويته الاجتماعية التربوية بكل وضوح دون أي مشوشات مما نراه اليوم في مسلسلات الإثارة والبهرجة الخليجية والتي تكاد تقول لنا إن في كل أسرة مدمن مخدرات أو فتاة لقيطة أو زوجاً خائناً، وأن هناك حاقد من الأقرباء هو سبب كل المشكلات، صورة نمطية تذكرني بالتزام مؤلفي الأفلام الهندية أيام زمان بأخ يلتقي بأخيه بعد غياب فيتغير مجرى القصة تماماً مع بطلة تنتحر في نهاية الفيلم (وغالباً على سكة القطار).
مسلسلات التوجيه الاجتماعي والتربوي الجادة والمتماهية مع قيم المجتمع هي ما نحتاج إليه لتتحقق التوعية النفسية الاجتماعية، ولكي نقدم صورة المدرسة كما نريدها فعلاً لا كما تصنعها ظروف الفهم الشخصية لكل منا. لن نستطيع أن نخلع الصورة النمطية للمدرسة بوضعها الحالي من أذهان أجيال المعلمين إلى صورة مشرقة يكون أساسها الإيمان بالرسالة التربوية إلا بمساعدة العمل الفني الاحترافي مثل «إلى أبي وأمي مع التحية»، وإلى أن يكون ذلك لكم مني أجمل تحية.