د. أحمد الفراج
النظام السياسي في أمريكا معقد جداً، وسبق أن كتبت سلسلة مقالات عن هذا النظام، وربما أن أكثر ما يستوقف المتابع هو إمكانية أن يفوز أحد المرشحين برئاسة أمريكا، رغم خسارته لأصوات الناخبين، كما حصل في الانتخابات الماضية، عندما فاز المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، على المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، رغم أنها هي من فاز بأغلبية أصوات الناخبين!! كما أن هناك أحزاباً سياسية كثيرة في الولايات المتحدة، مثل حزب العمال، وحزب الشعب، وحزب الإصلاح، والتي يتقدم مرشحوها للانتخابات، ولكن لم يسبق أن فاز أي منهم، فالفوز محصور بين مرشحي الحزبين الرئيسيين، الجمهوري، والديمقراطي!!
ومع أن الحزب الجمهوري هو حزب المحافظين الصقور منذ عقود، إلا أن ما يخفى على البعض هو أن هذا الحزب ذاته كان، ولمدة قرن كامل، أي حتى الستينات من القرن الفائت، هو حزب الأقليات، والمعدمين!! وذلك لأنه حزب الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن (1860- 1865)، والذي دخل حرباً طاحنة، حتى تمكن من إلغاء العبودية، وتحرير السود، وفي الوقت الذي كان الحزب الجمهوري هو حزب الأقليات، كان الحزب الديمقراطي هو حزب الصقور المحافظين، أو إن شئت الدقة كان هو حزب العنصريين البيض، والذين وقفوا ضد إلغاء الرق!! وقد تغيّرت المعادلة، عندما وقَّع الرئيس الديمقراطي، ليندون جانسون (1963- 1968) قانون إلغاء التمييز العنصري ضد السود!! فحينها أصبح الحزب الديمقراطي هو حزب الأقليات، والمعدمين، والحزب الجمهوري هو حزب المحافظين البيض!!
ولمن يعتقد أن الحزب الديمقراطي حزب ضعيف تاريخياً، هكذا بإطلاق، أن يعيد حساباته، فالرئيس الأمريكي الذي قرر مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي أعلن دخولها كقوة عالمية كبرى هو الرئيس «الديمقراطي» الشهير، فرانكلين روزفلت !! كما أن الرئيس الأمريكي، الذي أعطى الأوامر باستخدام السلاح النووي في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، وبالتالي أعلن أمريكا كإمبراطورية عظمى هو، أيضاً، الرئيس «الديمقراطي»، هاري ترومان!! وعلاوة على ذلك فإن الرئيس الذي أنهى مأساة كوسوفو بتدخله العسكري الحاسم كان «الديمقراطي»، بيل كلينتون، ولذا لا يصح تحميل الحزب الديمقراطي أخطاء وضعف بعض الرؤساء الديمقراطيين، فقد كان هناك، أيضاً، رؤساء جمهوريون في منتهى الضعف والسوء!