الجزيرة - محمد المنيف:
الأديم كلمة تحرك المشاعر وترتقي بالوجدان حينما تعني الوطن وما فيه بكل التفاصيل، ان كانت تعني ما يلف به جسم الإِنسان، فالوطن غطاء وظل وان كان بَيَاض النهار، فالوطن ابيض الوجه طهرا وعزا وفخرا بقيادة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - فكل معنى لهذه الكلمة جميل، والكلمة محظوظة ان يختارها الأمير خالد الفيصل لتكون عنوانا لهذا المعرض الذي يقام في جامعة الملك فيصل بعد توقف عن إقامة المعارض وليس غيابا عن المتابعين من سموه، إِذْ ان ذاكرة المثقفين والتشكيليين ومحبي الفنون التشكيلية داخل المملكة وخارجها تحتفظ بالكثير من كل خطوة ومحطة في المسيرة التشكيلية لسموه التي يعد الفن التشكيلي جزءا من الاهتمامات الأخرى في الفكر والشعر جميعها حظيت باهتمام سموه، رسم الأمير خالد العديد من اللوحات التي تحاكي جمال الطبيعة في المملكة، وأقام سموه معارض عديدة داخل المملكة وخارجها أحدها مع الأمير تشارلز ولي عهـد بريطانيا، كمـا أسس قرية المفتاحة في أبها التي تعد واجهة ثقافية وفنية للمنطقة، إضافة إلى رعايته وافتتاحه للمعارض التشكيلية والمسابقات في هذا المجال.
واليوم يتواصل دعم سمو الأمير خالد الفيصل للعلم وطلابه في جامعة الفيصل ومنها تقديمه ريع معرضه التشكيلي الذي يقام حالياً في قصر الملك فيصل بجامعة الفيصل دعما للجامعة والذي يتضمن ثلاثين لوحة من أعماله تحت عنوان (من أديم الوطن) بإشراف دار سوثبيز للمزادات وهي من كبريات شركات المزادات العالمية في مجال الأعمال الفنية ومقرها لندن، ولها باع طويل في مجال استثمار مثل هذه الأعمال وتسويقها ما يعني ان المعرض سيكون ميدانا للمنافسة.
توظيف الفن التشكيلي قدوة للوطن ودعم الخير
منذ ان اعتزم الأمير خالد الفيصل إخراج أعماله من حدود المرسم إلى أعين الجمهور، وهو يسخر فرشاته وألوانه وموضوعات لوحاته لأعمال الخير بالتعبير عن مواقف إِنسانية، كما شاهدناها في لوحاته عن الشعب الفلسطيني وغيره من شعوب العالم أو تعبيرا عن جمال الطبيعة من مختلف مناطق المملكة، جمع فيها الشكل بالأحاسيس الصادقة كشفتها حاملة ألوانه مازجاٍ فيها الألوان الأساسية والمركبة، ليسرد بها ويكتب قصائده الملونة الأرض ومشاعر الناس، لوحات يمكن ان توصف بالوطنية تبوح بفكر وطني يلامس جماليات الطبيعة والمجتمع.
تتحرر في لوحات سموه النابضة بالألوان كل آلام الحياة وتستشرف الأمل. جامعا في ثناياها الواقع المرئي بالمتخيل، رسائل وطنية مكتوبة باللون والخط والشكل، برموز فنية تبعث الإرادة وتغرس في الوجدان المشاعر الوطنية.
توجه الأمير خالد الفيصل إلى توظيف العمل الفني للخير والوطن، واليوم يخدم به العلم من خلال تبرعه بريع المعرض لجامعة الفيصل توجه يعد قدوة للجميع، وتأكيدا على رسالة الفنون عامة والفن التشكيلي على وجه الخصوص، فالاقتداء بسموه في هذا التوجه يعد واجبا على التشكيليين تجاه وطنهم ومن فيه، ومساهمة في كل ما يخدم المجتمع عبر كل البوابات الخيرية وكل من يخدم العلم وطلابه.
من حيوية الفرشات
إلى الرومانسية
من خلال تتبعي لمسيرة إبداعات الأمير خالد الفيصل منذ أول معرض أقامه في الفيصلية وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- وما تبع ذلك من معارض جعلتني أكثر قربا من مراحل التحرك، واكتشاف قدرة سموه على ان يتنقل بين مدارس الفن دون خوف من تصادم أو خلط أو تداخل كما هي قصائده الفصحى والعامية، فبعد ان قدم لوحات بالتأثيرية واللمسة الثابتة المنفصلة بقوة الإيقاع بتوظيف احترافي انتقل إلى مرحلة الرمزية التي كانت الفرشاة فيها أكثر رشاقة واسرع في اصطياد لحظة الانتشاء الفني مع لحظة التعبير، وكأنها من سيمفونيات بتهوفن التي تتصاعد وتيرتها أحيانا وأحيانا أخرى تعود للهدوء الذي يسبق الانفعال، وصولا إلى المعرض الحالي الذي شاهدنا فيه عبر عدد من أعمال سموه الإيقاع الرومانسي الهادئ، وكأننا أمام مقطوعات هادئة حالمة تنساب فيها الألوان دون ضجيج، تلامس الواقع كشكل وتسمعنا صوت ناي لراع في جبال أبها أو مرور ماء في جدول بعد هتان مطر.
منافسة واستثمار
تعد لوحات سمو الأمير خالد الفيصل الأغلى سعرا عودا إلى قيمتها الفنية ومكانة سموه التي أيضاً تعد جزءا من قيمة العمل، فالمقتني لإحدى لوحات الأمير خالد يعلم انها مجال استثمار موثوق به ومنطلق للمنافسة، ولهذا اجزم ان قبول دار سوثبيز العالمية للمزادات للإشراف على تسويق المعرض لم يأت مجاملة بقدر ما هي قناعة تامة من دار لها خبرتها العالمية وشهرتها في تسويق أعمال ذات قيمة فنية ومادية وتاريخ، كما ان لها عملاء على مستوى عال أفرادا أو متاحف، ولهذا تصبح أعمال سمو الأمير خالد جزءا من هذه المجموعات المهمَّة في عالم الفنون.
وقد كان لكثير من المهتمين باستثمار الأعمال الفنية منافسة على غالبية الأعمال الفنية التي عرضها سمو الأمير خالد في معارضه السابقة باستثناء ما أبقاه منها كمقتنيات خاصة.
تنوع مصادر الإلهام في البيئة
الأمير خالد الفيصل كغيره من المبدعين تستهويهم وتؤثر فيهم البيئة وكل ما حط رحاله في أي منها جعلها مصدر إلهام للوحاته، فنجد ان هناك تنوع وتعدد البيئات من رمال النفود إلى جبال طويق في نجد، مرورا بأقدس الأراضي والبقع مكة والمدينة، ولا ننسى ما أبدعه في لوحاته من الجنوب وقت عمله أميرا لعسير، فتارة يكتب القصيدة وتارة ينتقل إلى اللوحة فكان لجبال عسير نصيب كبير.. اللافت للنظر وهو مبعث اعتزاز سموه هو الوطن بكل تفاصيله فكان أديم الوطن.