ياسر صالح البهيجان
المواقف الفكرية الرافضة للمشاريع المستجدة والناشئة تكتسب مشروعيتها من خلال طرح إمكانات بديلة، تكشف عن القدرة الذهنية لدى أتباعها في البناء والتطوير. أما إن ظل الرفض سلبيًّا، وغير مقرون ببدائل منطقية تلبي احتياجات المجتمع، فإنه سيوصم بالعجز عن مسايرة التحولات الحضارية ومواكبة التغيرات الراهنة، ولن ترعيه المجتمعات سمعها.
ثمة خطاب رافض لتحركات الهيئة العامة للترفيه رغم أنها لا تزال في مراحلها المبكرة، والحكم عليها في هذا التوقيت سابق لأوانه، إلا أن الاحتشاد المضاد لفعاليات الهيئة ينطلق من تصورات مسبقة حول مستقبلها، ولا تخلو من التوجس والقلق غير المبررين اللذين ظلا ملازمين لأي خطوات تجديدية وغير مسبوقة. أي أننا إزاء حالة احتشاد موصومة بالرفض لأجل الرفض، ولا تحمل في جوهرها أفقًا منفتحًا يمنحها قوة فكرية إنتاجية، وهي بهذا المعنى تقويضية وهدامة، تكشف عن حالة مرضية معادية للتغيير الذي هو جوهر الحياة، وجزء من كينونتها.
السؤال عن الإمكانات البديلة للترفيه ليس سؤالاً هامشيًّا إن أردنا استكناه منطلقات الحشود الرافضة للفعاليات الترفيهية؛ إذ إن الفشل في طرح البديل المنسجم مع تطلعات المجتمع وأفراده يمثل حجر الزاوية، ويزيح الستار عن حالة العمى الثقافي والانقياد غير الواعي خلف دعاوى الرفض دون وجود ما يفسر ذلك الموقف السلبي المناهض لسمتي الابتهاج والمتعة اللتين تشكلان طبيعة الحياة في المجتمعات الحديثة المتخذة من الترفيه وسيلة حضارية للتعبير عن حالة التقدم الإنساني.
التيار الرافض للترفيه يعاني من حالة تشوه معرفي، أنتجت استنتاجات وتكهنات مجانبة للتصورات العقلانية المتزنة، واجترت افتراضات غير واقعية أسوة بحالات رفض كانت حاضرة في الماضي، كرفض تعليم البنات والمذياع والتلفاز والهواتف المحمولة، وتلك الشواهد التاريخية تؤكد النزوح نحو الرفض لا لعلة كامنة في المرفوض، وإنما بسبب إشكالات في فهم المستجدات ومآلاتها.
الرفض بحد ذاته ليس سلوكًا خاطئًا إن ظل قاصرًا في حدوده على الفرد الرافض، ولكن تصديره وفرضه على المجتمع بالعنف والقوة يمثل خطيئة كبرى، تنافي الأخلاق الإنسانية؛ لذا فإن خيار الاعتزال عن الوجود في الفعاليات غير المرغوب بها أمر متاح وحقُّ مشروع للجميع، كما أنه من حق الآخرين اتخاذ قرارهم بالحضور والمشاركة والتفاعل؛ إذ لا وصاية من المنظور الإنساني لأحد على أحد ما دامت الأنشطة منظمة بطريقة رسمية، وتحظى بإذن حكومي.
الحشود الرافضة تجهل ما تحمله الفعاليات الترفيهية من قيم سامية، يشعر معها الفرد بإنسانيته، وتعيد شيئًا من توازنه في ظل ضغوطات الحياة اليومية، فضلاً عن دورها البارز في غرس مفاهيم التسامح والتعايش بين أطياف المجتمع كافة، وإيجاد بيئة من المرح، تكافح الشعور بالرتابة والسآمة، وتبعث التفاؤل وحب الحياة لدى الإنسان، وتعصمه من الانزلاق خلف الأفكار العدمية والمتشددة والشاذة، وتمنحه رؤية إيجابية، تعزز من كفاءة إنتاجه بما يخدم مصالح وطنه ومجتمعه.