منذ الصرخة الأولى تبدأ حياتنا بالمضي قدمًا في طريق العمر، نمرُّ عبره في محطات، نواجه فيها أشخاصًا وظروفًا مجتمعية واقتصادية مرغمين على التعايش معها.. وكل ما علينا هو الجواب عن تساؤلاتنا: كيف السبيل لذلك؟!
إن للانسجام سباقًا في إثارة السعادة والأمان، ويصحب معه الرضا الذي يحمل على أكتافه كفاءة الأداء وجودة المخرجات التي تبنى في بيئة صحية تدرك القدرات، وتعزز السلوكيات، وتنظر للعلاقات برقي الفكر وسلاسة التعاملات.
أشار المؤلف (كلارنس أ. نيول) إلى أن «العلاقات الإنسانية ليست مجرد وسيلة لبناء مجتمع متعاون فعّال، بل هي هدف بحد ذاتها». وإذا ألقينا نظرة على أصلها نجد أن الفكر الإداري والإسلامي كان أول من أنجبها، وقام على رعايتها مستندًا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية بمبادئ وقيم تعدل اعوجاج السلوك الإنساني، وتهذب النفس البشرية؛ فهي - بلا شك - تتطور من خلال تقنية التبادلات على مستوى الأفراد أو المنظمات التي تعتمد اعتمادًا كليًّا على العنصر البشري (Human factor)، وتسعى لفهم سلوكه وتنمية قدراته.. وهذا ما سيحقق لنا الوصول - بمشيئة الله - إلى تنمية بشرية، تزودنا بـ»إنجازات تطويرية تسعى لتحقيقها رؤية 2030».
العلاقات الإنسانية (Human relationships) في المركز الأول لها دور بارز في خلق وتحفيز العاملين من خلال بيئة العمل، سواء كانت صغيرة أو كبيرة على مستوى الفرد أو الجماعات، فكلما خُلقت علاقة إيجابية تحققت الأهداف، وازدادت فاعلية الأداء والإنتاج.. ولديها القدرة على أن تبعث لدى العاملين شعور الانتماء والاستحقاق، ذلك الشعور العميق الكامن بدواخلنا.. فعلى الإداري الناجح أن يبحر في فهم الشخصيات وتقدير المعطيات؛ لكي يثير الدوافع للمرؤوسين، ويراعي التنوع والاختلاف، وذلك يشير لهم إلى تطوير ذواتهم، والاستزادة من العلوم والثقافات. وإن الاهتمام بالعلاقات لا يركز على مبدأ الماديات، إنما يحاكي الشعور الروحي والعواطف الإنسانية بما يستدعي الثقة بالنفس، وتقديم الأفضل، بما يجزم بأن النجاح هو نجاح الجميع، والإخفاق هو خلل سيتبناه الجميع.
بحسب دراسة قام بها (بنك UBS) وجدت أن «إدارة Apple هي الأكثر حبًّا من قِبل موظفيها من بين جميع الشركات التقنية بسبب التعامل المميز مع الموظفين»؛ وذلك يعود إلى حسن التعامل وجدارة الإدارة التي عززت النواحي النفسية والاجتماعية للعاملين.. فمن هذا الجانب كان لـ(التون مايو) ردة فعل، ناشد فيها الاهتمام بتلك النواحي.
من باب تحديد الأولويات ومعرفة المسؤوليات على الإدارة أن توفر بيئة عمل مريحة، تهتم بتفاصيل شخصيات العاملين، وتراعي الفروقات بينهم من حيث النواحي العقلية، المزاجية والخلقية، وأيضًا البيئية، واحترام آرائهم، وشكرهم، ومشاركتهم في اتخاذ القرارات؛ كي يشعر الجميع بأهميته فردًا من أفراد المنظمة، وذلك بصقل المواهب، وتشجيعها، واستخدام أدوات التحفيز المعنوية والمادية، وتحقيق الرفاهية والمسؤولية الجماعية في نهوض المجتمع، والوصول إلى أرقى المستويات.
إن من أسس العمل الناجح المحبة والاقتناع؛ حتى يستطيع العاملون تحمل أعبائه، وتقبل التقلبات في بيئة أداء الأعمال. كذلك إن العدل والمساواة والصدق والإخلاص والتعاون هي مناهج ربانية، تقـوي العلاقات.. فلنتذكر دائمًا أننا نستحق أن نكون أفضل، ونترك أثرًا طيبًا، يدل على إنسانيتنا في شتى مجالات الحياة، ولنجعل من محطات العمر نماذج يُقتدى بها..
وما يدعو للتأمل أن العلاقات القائمة على مبدأ (التبادل) هي الأقوى والأمثل على صعيد العلاقات.. فكن إنسانًا قبل أن تكون قائدًا.
مشاعل عبيدالله البيضاني - طالبة ماجستير