شهدت بلادنا الغالية خلال العقود الماضية، نهضة عمرانية، وزيادة سكانية كبيرة، خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض، وجدة، ومكة المكرمة، وغيرها من المدن الرئيسية، حيث صاحب هذا النمو السكاني، زيادة في عدد المركبات الخاصة والعامة، وكثرة استخدامها، مما دعت الحاجة إلى التوسع في إنشاء محطات البنزين واستقدام المزيد من العمالة الوافدة لإدارة هذه المحطات والعمل فيها. ومما لا شك فيه أن السياسات العمالية الحرة المطبقة في المملكة، ساهمت في دفع القطاع الخاص بشكل عام، ومحطات البنزين بشكل خاص على استقدام العمالة الوافدة بشكل مبالغ فيه دون النظر إلى السلبيات التي قد تنشأ، حيث تشير آخر الإحصائيات التي أعلنتها الهيئة العامة للإحصاء أن عدد العمالة الوافدة قد تجاوز الثمانية مليون عامل في القطاع الخاص، وهذا بلاشك أسهم في إغراق سوق العمل بالعمالة الوافدة، وزيادة الضغط على السلع والخدمات الصحية والمرافق العامة، وزيادة الطلب على المساكن، الأمر الذي أدى أيضاً إلى ازدحام الشوارع، وتعطل حركة السير في بعض الشوارع الأخرى.
وبالنظر إلى تجارب الدول المتقدمة الأخرى، نلاحظ أن غالبية محطات البنزين تدار ذاتياً، حيث لا يوجد سوى عامل واحد أو عاملين كحد أقصى، حيث يتواجد هذا العامل داخل محل تجاري لبيع المواد الغذائية في أغلب الأحيان، وهو من يقوم فقط في عملية تحصيل الأموال والإشراف على المحطة ومراقبتها، أما صاحب المركبة هو من يقوم بنفسه بتعبئة البنزين أو الديزل، وحين الانتهاء يذهب إلى المحل ليعطي رقم الآلة التي تمت التعبئة منها، ويسدد المبلغ المطلوب.
وهذا ما نتمناه حقيقة أن يتم تطبيق تحويل خدمات محطات البنزين ذاتياً بشكل تدريجي، من خلال البدء في تحويل 25 % من المحطات إلى خدمات ذاتية، بعد إعطاء مهلة للمنشآت والعاملين، لتصحيح أوضاعهم خلال ستة أشهر لتطبيق القرار. ومن ثم رفع نسبة تحويل خدمات المحطات لتصبح 50 % بعد مرور ستة أشهر أخرى، إلى أن تصبح نسبة التحويل 100 % في نهاية السنة.
وبلا شك أن برنامج تحقيق التوازن المالي 2020 الذي وضعته المملكة، سيساعد حقيقة في عملية تطبيق قرار تحويل خدمات محطات البنزين لتصبح خدماتها ذاتياً، وذلك من خلال فرض مقابل مالي على كل عامل وافد في القطاع الخاص، كما سيعطي دافعاً ومحفزاً لأصحاب المحطات في استحداث وظائف «إدارية» لإدارة المحطات والإشراف عليها، والاستغناء عن العمالة الوافدة.
وهذا من شأنه سيحقق فوائد إيجابية عديدة بإذن الله من أهمها تقليل نسبة العمالة الوافدة، والحد من وجود العمالة السائبة وغير النظامية، وخفض نسبة الحوالات الخارجية، وتخفيف العبء على المراكز الصحية والمستشفيات والمرافق العامة، وتقليل خسائر أصحاب المحطات جراء السرقات والهروب، وتوفير فرص عمل من خلال استحداث وظائف إدارية داخل المحطات، وخلق جيل قادر بالاعتماد على نفسه دون الاعتماد على الآخرين.