د. خيرية السقاف
بالكاد تُرتب للحكمة أن تنتظر قطارَك لتتخذ فيه مقصورة معك وتتربع..
ومن ثم كلما أوغل القطار في دربه نفَحَت على الطريق ليسلك نسائمها النفيسة, تشبه المعبقة بالثراء التي ترسلها خضرة البراري, والمروج الخضراء حين تتنفس نعيمها في مجرى شهيقك, ومقر ذائقتك العابرة بك, لا, لا العابر أنت بها !!...
قطارك مذ تنبت شجرة حطبك فيه, يُعد فتائله, يشحذها لركضك,
ومن الوهلة الأولى لمخارج حروفك يحدد لك المقعد, والنافذة, وطبقاً فسيحاً للنية, والبصيرة فيك!!
ينتقي لك الطبق, وكأس الماء, لكنه يأبى أن يعد لك الوسادة, وزر إطفاء النور!!
عرَّابتُه حكمتُك التي رتبت لها مذ شرعت في الرحلة,
فإن صعُبَت عليك, ونأيت عنها فلن تكون رفيقتك في القطار..
والقطار لا يوصلك لأية محطة دونها بنجاة !! ..
العبث بها متاه,
والرحلة دونها ضياع,
والطريق لا يسري كجدول الماء وإن تعرّجت به المفارق وهي ليست في المقصورة سيدة البوصلة!!..
ومرسلةُ الصافرة!!..
فالقِ نظرة إلى الرتل المكتظة بها المحطات,
عاين حركات المسافرين,
تبيَّن إن قد رتبوا للحكمة ليلتقوها تصعد بهم القطارات, وتقتسم معهم المقعد, وترافقهم الطريق؟!..
لن تخلص بغير هذه الهوجاء, والغوغاء,
بغير الأصوات, والجعجعة, واختلاف الخطوات,
لن تشاهد سوى التداخل الصاخب بين الأصوات,
والحكمة تغيب, تغيب يا سيدي تغيب!!..
القلة, القلة من تجدهم في تؤدة يتأملون,
وفي اطمئنان يتجهون لبوابة القطار,
هؤلاء قد سبقتهم الحكمة إذ قد رتبوا لها
فاقتسمت معهم المقعد, والمسار!!
هؤلاء الرحلة معهم ماتعة,
والوصول بها آمن لمحطات السماء, والنهر,
والبحر, والبر,
والنجوم, والشمس,
والقمر !!............