محمد سليمان العنقري
أعلنت وزارة التعليم عن إحدى أبرز إستراتيجياتها ومبادراتها لتحقيق رؤية المملكة 2030 م «بالتحول الرقمي» الذي تم توقيع الانطلاقة نحو مافهم إنه توقف عن طباعة الكتب والانتقال لمرحلة تكون فيها العملية التعليمية تتم من خلال برامج وتطبيقات يستخدم الطالب فيها الألواح الذكية أي ما يشبه أجهزة الآيباد وبذلك فإن التوقعات أن يتم تنفيذ المشروع على مدى ثلاثة أعوام.
فالمشروع تقدر تكلفته بحوالي 1.6 مليار ريال وتقول الوزارة عبر مسؤوليها إن هذا التحول هو قص شريط نحو تعليم ذكي يضمن الدخول لبوابة المستقبل بعالم المعرفة، ومع انتشار استخدام الأجهزة بالمجتمع ومن مستويات عمرية صغيرة سينظر للمشروع بأنه مقبول وسهل التنفيذ كما أن بعض ما لاحظته من ردود وتعليقات حول هذا الخبر نظرت للجانب المتقدم تقنياً بهذه الإستراتيجية وأنها ستريح الطلبة من حمل الكتب والتي يتجاوز عددها أكثر من 15 كتاب لطلبة المراحل الابتدائية مما جعل أوزان الحقائب بما تحمله يومياً من كتب أكبر من وزن الطالب كتعبير مجازي عن مدى سلبية هذا الكم الهائل من الكتب التي تطبع لكل مرحلة دراسية، فكان هناك ترحيب واستبشار بأن ذلك التطور يعني نقلة تاريخية بالتعليم، وبالمقابل فإن بعض الآراء توجست من هذا التحول بأن له سلبيات تعليمية عديدة ويبدو أنهم متخصصون ومن سلك التعليم ولذلك فإن النظر للتحول الرقمي بالتعليم ليس بالقرار السهل وله سلبيات لم يتم التطرق لها او توضيحها فالقرار الجيد يقلل من السلبيات بمعنى لا توجد إيجابية مطلقة لأي مشروع أو عمل أو نظام.
فهناك تجارب عالمية أثبتت فشل التركز باستخدام الألواح الذكية للتعليم منها أضعاف مهارات الكتابة تحديداً والتي يجب أن لا يتم إغفالها إطلاقاً فصحيح أن الوزارة تعتبر برنامجها جزءاً من تطوير أساليب ووسائل تعلم المناهج لكن القول بالغاء طباعة الكتاب يعني تلقائيا تقليل الاهتمام بالكتابة بالقلم إذا ما كان فعلاً القصد من هذا التحول الانتقال جذرياً لاستخدام التقنية فقط، فالمخاوف من زيادة الضعف بالكتابة واردة جداً كما أن الاستخدام التقني لا يخلو من مشاكل فنية عديدة ستواجه الطلبة وأهاليهم كعطل الاجهزة وأيضاً تأثيرات صحية على البصر وعلى بعض الأعضاء بالجسم التي أثبتت تقارير طبية عديدة ما تسببه هذه الأجهزة من أضرار لمستخدميها.
لكن من الناحية الاقتصادية فإن ما قيل عن النية لبناء مصنع لهذه الأجهزة يعني تكلفة مالية كبيرة ولا نعلم كم ستكون خسائره سنوياً مما يجعل تكلفة الأجهزة عالية كي يغطي مصاريفه وتكاليفه فعلياً حتى نكون وفرناً ثمن طباعة الكتب يجب أن تكون قيمة الجهاز الواحد متدنية جداً لا تزيد عن 50 دولاراً أمريكياً بأحسن الأحوال مع جودة عالية ليتحمل الاستخدام لسنة كاملة أو أكثر فهي أجهزة ستخصص لتطبيقات خاصة بالتعليم لذلك لا تكلف كثيراً وتتطلب حجم ذاكرة محدود ومواصفات أقل من الأجهزة التي تنتشر بالأسواق كالآيباد وغيرها فلابد من قياس جدوى هذه الخطوة اقتصاديا إذ لا يمكن أن تكون فاعلة إذا كانت تتطلب أعمالاً تشغيلية وصيانة وغيرها من المتطلبات بتكاليف باهظة تقضي على إمكانية تطوير وسائل التعليم الأخرى المخبرية وغيرها التي لا يمكن تعويضها باجهزة لوحية وبالتالي تتوجه جل الميزانية بالتعليم للصرف على التحول التقني ومتطلبات تشغيله لأن عامل الكفاءة لا يوجد خيار آخر إلا أن يكون نظام يعمل على مدار الساعة بكفاءة وإصلاح أي خلل يكون سريعاً مما يتطلب ميزانيات كبيرة لتوفير الكوادر البشرية أو الشركات التي تدعم تشغيل النظام هذا بخلاف أعطال الأجهزة التي سيعاني منها الأهالي.
إلا أن العوامل الأهم هو ما يطرح من تساؤلات فهل انتهت وزارة التعليم من ملف المدارس المستأجرة قبل أن تفكر بالتحول الرقمي وتكاليفه التي تبني لا يقل عن 100 مدرسة بينما هناك ما يزيذ عن 5000 مدرسة مستأجرة! وهل انتهت الوزارة من تجهيز برامج تطوير الكادر التعليمي وتلبية احتياجاته المستمرة من تطوير للمهارات؟.. وهل غيرت بمنهجية العمل الإداري للتعليم وكبحت الهدر ورفعت جودة وكفاءة الإنفاق التي تتطلب تغييراًجذرياً بنظم ووسائل الإدارة؟.. وهل جهزت جميع المدارس بوسائل تعليمية حديثة متقدمة ومخابر يتم من خلالها تطوير مهارات ومعارف الطلبة؟.. وهل تظن الوزارة أن نقل ما تقوم به حالياً ليتم تقنياً هو تحول حقيقي يطور التعليم إذا لم تتغير المنظومة الإدارية والفكر الاقتصادي الذي يدير عمل وزارة التعليم التي يلاحظ أن جل من يديرها بكل مناطقها ومدارسها وليس فقط مقر الوزارة هم من تخصصات تربوية وليسوا اقتصاديين أو إداريين؟.
فمن السهل وضع الخطط وتغيير طرق تقديم خدمة التعليم دون التغيير الجوهري الحقيقي بأساليب بناء منظومة تعليمية مستدامة لا تتغير كل عدة سنوات بمرئيات وتوجهات إدارات متعاقبة تجعل التعليم حقل تجارب يتسبب بخلل تنموي ويضعف من أهمية وتأثير الإمكانيات المادية التي توفرها الدولة سنوياً لقطاع يستحوذ على 25 % من الميزانية العامة للدولة سنوياً فمن أسوء خطط التنمية تلك التي تقوم على التجريب فإذا فشلت يتم التغيير لخطة أخرى وهكذا ليدور المجتمع بحلقة مفرغة لا تصل للأهداف الرئيسية لرؤية المملكة الإستراتيجية التي عمادها دور الإنسان بما يكتسبها من تعليم ومهارات تكفلت الدولة بمجانيته للمواطنين للوصول لأفضل النتائج بتنمية العنصر البشري، فما يبدو من الشروحات التي قدمت عن التحول الرقمي لا تعدو أكثر من استخدام تكنولوجيا لأعمال تتم الآن بطريقة مختلفة لكن جوهر العملية التعليمية ومافيه من حاجة للتغيير لا يبدو أبداً أنه قد لمس.