مها محمد الشريف
كلمتان خفيفتان في الحروف، ثقيلتان في ميزان الخبث، وسوء الطوية؛ فالدعوة إلى النزوع إلى الحرية تعني أنك في حالة أخرى، حالة أسر وقيد وسلب للإرادة وهذا خارج الواقع حاضراً وتاريخاً..
وإذا ما تأملنا سنرى أن ثمة خلطًا مقصوداً بين الحرية والتمرد، وسنجد أن هذه الدعوى معروضة للبيع، بأسلوبٍ تسويقي براق، وعلى النساء الشراء فقط..
وثمة أسئلة مهمة منها:
كيف لنا أن نناقش مثل هذه الهشتاقات منطقياً؟ وكيف يمكن المواءمة بين المقاصد المغرضة والتشريع؟، في الوقت الذي نعلم فيه أنها لا تتجاوز استغلالاً للمرأة من الذين يزعمون تحريرها. بداية من المطالبة بقيادة المرأة، وإسقاط الولاية..وانتهاء بهذه الدعوة: كوني حرة.!
وحتى نمارس الإجابة عن هذه التساؤلات دعونا نتأمل بتجرد واقع المرأة السعودية في مجالات مختلفة ومتعددة فقد سجلت الفتاة السعودية إنجازات حضارية كبيرة في مجال دخولها ميدان التعليم والابتعاث، والموهبة والإبداع، وهي مستنيرة العقل والفكر، وهذه رفوف المكتبات ومعارض الكتاب خير شاهد على حرية فكرها ونضجها ووصولها إلى أعلى المراحل والدرجات، وتحقيق الكثير من النجاحات في المجال الوظيفي وتملك شعوراً عالياً بالمسؤولية، نحو المجتمع والوطن، وهي منجزات لا يتطلب تحقيقها تمرداً أو حرية مرهونة بالتبرج أو رقائق مدمجة في أجهزة هؤلاء المتآمرين للنيل من مبادئها ومن كيان الأسر.
ثم إن المرأة في مجتمعنا هيأت لها الدولة سبل النجاح والتفوق وصانت حقوقها، وقدمت جهوداً ضخمة كفلت لها حياة كريمة في ظل تعاليم الدين الحنيف، وفي الحياة اليومية لها نصيب كبير في الحراك المالي والاقتصادي وهذا يعطي فكرة حقيقية عن مدى أهمية رأس المال النسائي والمشروعات الاقتصادية النسائية في دورة عملية الإنتاج وتحريك عجلة الاقتصاد. حيث ارتفع عدد السجلات التجارية النسائية من 557 سجلاً إلى 72.494 في 6 سنوات ضمن إحصاءات واردة من وزارة التجارة والصناعة، ويأتي ذلك في ظل زيادة النشاط الاقتصادي لدى المرأة السعودية في مجال الاستثمار والمشاركة.
في وقت بلغت فيه أرصدتهن النقدية في الجهاز المصرفي نحو 375 مليار ريال 100 مليار دولار. فقد حملت السنوات الخمس الأخيرة للمرأة السعودية عدداً من التسهيلات في عملها؛ مثل إلغاء الوكيل الشرعي؛ الأمر الذي جعلها شريكاً في التنمية الوطنية.
ومما لاشك فيه أن النهضة الشاملة التي يعيشها مجتمعنا اليوم في جميع الميادين، ومن خلال دعم الدولة لجميع القطاعات الاقتصادية سواء الخدمية منها أو الصناعية والزراعية أو غيرها من القطاعات الأخرى أو من خلال دعم وتشجيع خطط السعودة وتطبيقها، إنما ينعكس بشكل إيجابي على عمل المرأة واندفاعها تجاه تحقيق ذاتها وطموحاتها وخدمة مجتمعها.
واليوم أصبحت المرأة السعودية تتبوأ مناصب تجاوزت حدود الوطن لتدخل العالمية بإبداعاتها وتفوقها باعتراف المجتمع الدولي. وتولي الدكتورة ثريا عبيد عضو مجلس الشورى السعودي وأول عربية ترأس وكالة تابعة للأمم المتحدة، وذلك عقب توليها منصب المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان والأمين العام المساعد للأمم المتحدة. وكذلك الدكتورة سميرة اسلم التي تشغل اليوم منصب أستاذة في جامعة الملك عبدالعزيز والحاصلة على جائزة عالمية كإعلامية مميزة. وغيرهما نماذج مشرقة في مجالات عدة.
لقد حققت المرأة السعودية الكثير ووصلت بتأهيلها العلمي وتدريبها المهني إلى مستويات عليا سواء في الطب أو في الشورى، وعليه فالأمر هنا لا يتعلق بحرية مطلقة، ورغم الاختلافات تبقى حرية الفرد قيد أسس ثابتة لا تُكتسب أو تُشترى.
أما من ينظر له كحرية فربما لشعوره بالضعف أمام ما تقدمت به المرأة فلم يجد حجة إلا أن يرى الحرية بأشكال أخرى منافية للدين والقيم، ويفتح بابًا لا يوافق الدين الإسلامي والأخلاق والعادات التي تعتبر أصولًا للحياة الاجتماعية وجوهرًا للإنسان الناضج، لأجل ذلك يجب التصدي إعلامياً ورسمياً لهذه الدعوات التي يسوّق لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخلفها من خلفها من أعداء كل شيء في هذه البلاد.
ومن الجميل الذي نلاحظه هو تلك الردود الحكيمة والنموذجية التي تعبر عن مجتمع واعٍ ومثالي ضد هذه الهشتاقات التي استحوذت للأسف على مشاهدات كبيرة كهالة دعائية للقنوات أكثر منها مظهر ثقافي يحيط الفرد بعلوم أو معارف مفيدة.