عبدالوهاب الفايز
مؤسسة النقد في الأشهر الماضية اتخذت عدة خطوات عملية لرفع كفأة مخرجات قطاع التأمين، وآخر المبادرات إطلاق حملة (اعرف - حقك في تأمينك) التي تستهدف رفع وعي الناس بحقوقهم التي تكفلها الأنظمة الحاكمة لهذا القطاع الذي يمر بـ(مرحلة حرجة)، ويشكل وضعه الحالي تحدياً حقيقياً للحكومة المتطلعة لمخرجات برنامج التحول الوطني.. الواعدة بالوظائف وتنويع الاستثمار، وما نراه في قطاع التأمين عكس ما نتطلع إليه!.
جهود المؤسسة ضرورية لأجل إعادة ترتيب أولويات القطاع ومعالجة المشاكل التي تراكمت في السنوات الماضية، وأدت إلى خلل في توزيع الحصة السوقية للشركات، (شركتان تستحوذان على 45 % من السوق). ضعف المنافسة في القطاع وانحساره في التنافس على الأسعار قلل فرص توسع السوق، فلم تتطور منتجاته، بخلاف التأمين الطبي وتأمين المركبات، وهذا الوضع الضعيف ساهمت فيه الجهات الحكومية والشركات نفسها، وأيضاً العملاء الذين لم يتفهموا أهمية وطبيعة العلاقة مع قطاع التأمين، كما برزت من البعض ممارسات غير اخلاقية ضارة أدت إلى ارتفاع الأعباء على الشركات.
حيوية وسلامة أداء قطاع التأمين ضروري للاقتصاد وللتسهيل على الناس وتوفير الحماية التعاونية لهم ضد المخاطر، بالإضافة إلى أهميته لتوليد الوظائف وفرص العمل وتوسيع الاستثمارات ذات القيمة المُضافة في قطاع الخدمات، ونتذكر دخول شركات التأمين في سوق الأسهم أثرها الإيجابي على توسيع وتعميق السوق وزيادة فرصه الاستثمارية، ومع الأسف هذه المنافع لم تستمر مع تراكم خسائر 14 شركة تأمين بسبب ضعف القيادة والإدارة وضعف الإشراف الحكومي.
في السنوات الاخيرة لم تكن العلاقة في المسار الإيجابي بين شركات التأمين وبين عملائها، فالشركات عاقبت عملائها الذين لم يتورطوا في حوادث أو مخالفات برفع تكلفة التأمين، فالسجل الإيجابي لم ينعكس على الأسعار، أي طبقت الشركات (الظلم في السوية عدل في الرعية!)، فرحلت ارتفاع تكاليف التشغيل على الجميع، وربما هذا الذي دعا مؤسسة النقد الى إصدار قرار يلزم شركات التأمين تقديم خصومات لأصحاب السجلات الخالية من المطالبات، وهو القرار الذي بدأ تطبيقه منذ بداية أبريل الحالي.
وأحد أوجه عدم الاهتمام بالعملاء نجده في حلقات التواصل الضعيفة بين الشركات وعملائها، فالقليل منها طور آليات وخدمات العملاء، حتى خدمات التسويق والمبيعات تتم بصوره متواضعة، ولا تعكس حجم الشركات، والبوابات الرقمية هي الأخرى لا تقدم خدمات محترفة، وهذا الوضع مع الأسف تجده في بعض الشركات المساهمة الكبرى التي يفترض أن تكون قائدة التطوير والابتكار في خدمة العملاء، وكأن هذه الشركات بدون قيادات ومجالس إدارات وجهاز تنفيذي.
غياب الأثر الإيجابي لقيادات وإدارات بعض شركات التأمين يفترض أن يقلق مؤسسة النقد ومعها هيئة سوق المال، والمتوقع من الجهازين الدخول في حوار إيجابي مع قيادات شركات التأمين لرفع كفاءة التشغيل وتفعيل آليات المراجعة والحوكمة وتطوير آليات التعامل مع العملاء، وأيضاً يفترض منهما الدفاع عن صغار المساهمين واستخلاص حقوقهم من إعادة التأمين التعاوني، وأيضا العمل على إصدار صيغ مبسطة للعقود والبوالص تتيح الفهم الميسر للحقوق الأساسية للطرفين.
نحن نتطلع لنجاح قطاع التأمين وتعظيم آثاره في الاقتصاد الوطني، وهذا يتحقق عبر الشراكة الإيجابية بين الأجهزة الحكومية وقطاع التأمين، ومن مصلحتنا أن يزدهر القطاع وتتوسع منافعه، ومن مصلحة العملاء أن تكون الشركات قوية في ملاءتها المالية، ومتطورة في منتجاتها وخدماتها، فالحالة الاستثمارية الإيجابية المستقرة للشركات يضمن حقوق ومصالح الناس، ولهذا من واجبنا مساعدة الشركات لتطور أساليب وطرق قيادتها وإدارتها.
قطاع التأمين السعودي يمر بمرحلة حرجة بعد تراكم المشاكل وبروز التحديات الرئيسية، بالذات بعد إعلان شركة (سند) قرار التصفية، فالقطاع ضحية تأخر التشريعات الحكومية التي سمحت له بشكل متأخر بالنمو والتشكل والعمل بشكل طبيعي، ومؤسف أن هذا القطاع الهام لا تتجاوز مساهمته في الناتج المحلي غير النفطي سوى 2 بالمئة، وأغلب شركاته تواجه مشاكل هيكلية وتشغيلية، وبعضها مهدد بالتصفية بعد تراكم الخسائر، والدعوات قوية للاندماج والاستحواذ لإنقاذ القطاع وحماية حقوق المساهمين.. لقطاع التأمين: قولوا أمين.