د.فوزية أبو خالد
جاءتني أسئلة مهمة من إحدى المطبوعات الصحفية في الخليج، تتعلق مواضيعها - كما وصفتها الصحفية صاحبة التحقيق - باهتمامات الشارع السعودي والخليجي. وكان من تلك الأسئلة ما يتماس مع مسار الإصلاح في السعودية، وإصلاح دور مجلس الشورى وآليات اختيار الأعضاء. كما كان منها ما يتساءل عن مدى خطورة الميليشيات الطائفية (الإيرانية) على الأمن السعودي والمنطقة وتداعياتها، ومدى خطورة النظام الإيراني الحالي، إن كان من خطورة, فما أهداف وتأثير تحركاته على الأمن الإقليمي والعربي والداخل الإيراني.
ونظراً لما رأيته من أهمية للمواضيع المثارة، فقد رأيت إعادة صياغتها وترتيبها لتكون في متناول القارئ.
السؤال الأول: كيف ترون مسار الإصلاح في السعودية وإصلاح دور مجلس الشورى وآليات اختياره؟
الإجابة: بما أن لكل عهد في مسيرة المُلك السعودي وعوده وأحياناً خططه وبرامجه وحساباته وتصوراته بما يخلق حالة من التوقع أو التطلع لكل عهد جديد يعلق المجتمع عليها بعضاً من الآمال الوطنية ويحرر في ضوئها بعضاً من المطالب المجتمعية، فإن عهد الملك سلمان كان وفياً لهذا التقليد، وقد توج ذلك بما عبر عنه إطلاق ما يعرف اليوم برؤية 2030. غير أنه من المبكر في هذه اللحظة خاصة بتأثيرات انخفاض أسعار النفط البالغة على مستوى الدخل والتزام المملكة بمواجهة التحديات الحدودية والجوارية التي تواجهها المنطقة وتواجهها المملكة، إعطاء تقدير موضوعي لنسبة الكمية والنوعية الممكنة للإصلاح المفترض, ولكن لا يمنع ذلك من التفاؤل بتلك الأريحية التي يحسها المواطن والمتابع في التعامل مع بعض من تلك القضايا التي ظلت عالقة أو مؤجلة لعقود خلت. ومنها مثلاً الحديث عن بناء قاعدة اقتصاد وطني مستقل عن البترول, تنويع مصادر الدخل، توسيع واستقطاب الاستثمارات الخارجية للمملكة، بناء اقتصاد المعرفة، الاستثمار في الشباب السعودي نساءً ورجالاً، وهذا ما تتحدث عنه وبه رؤية المملكة 2030. أما هل هذا يعني التحرر من بنية الدولة الريعية وتبعتها المعيقة اقتصادياً واجتماعياً، فذلك يبقى هو أحد محكات قياس نسبة الإصلاح المنشود نوعياً ورقمياً. أيضاً هناك مؤشرات إيجابية كبيرة في التعامل مع مسألة النساء، مثل التمثيل (التعييني) في مجلس الشورى لعدد من النساء لم تصله المرأة في مجتمعات سبقتنا في المضمار البرلماني. أما هل هذا يعني الاعتراف الكامل بأهلية المرأة كإنسانة تملك زمام أمرها بنفسها، وكمواطنة راشدة عاقلة حرة لها الحق في المشاركة الوطنية من مجلس الوزراء إلى هيئة الصحافة على سبيل المثال؟ وهكذا قد تتوالى الأسئلة فيما يخص عدداً من الأمور الحيوية. إلا أننا في المملكة نغلب التفاؤل ونثق أن طريق الألف ميل الإصلاحي قد بدأ فعلاً بخطوات ملموسة.
السؤال الثاني: كيف ترين خطر الميليشيات الشيعية: الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق، على الأمن القومي السعودي؟
الإجابة: أرى أن الحشد الطائفي سواء في العراق أو سوريا، وسواء ظهر ممثلاً بما يسمى «حزب الله» كالحالة اللبنانية أو خرج ممثلاً بالحوثي كما في اليمن يعد خطراً كبيراً، ليس على السعودية بحد ذاتها بل على الشعب الإيراني الحر وعلى المنطقة التي نكبت بوجود تلك الجيوب فيها. فالميليشيات بمعناها العسكري العدواني الذي يعتدي على الأوطان ويشق لحمة شعوبها بأيدي أبنائها تمثل خطراً على سلام المنطقة ككل وعلى جوارها الإقليمي ومؤداها الميداني، كما رأينا حروباً ضارية تقتل المدنيين دون هوادة وتفتت المنطقة لتكون لقمة سائغة لأطماع توسعية غير مشروعة. فتتساوى في هذا العمل العدواني دولة إيران الطائفية وليس الشعب الإيراني! مع دولة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في التعدي على أراضي الغير ولي أعناق إرادة شعوب المنطقة، بمن فيهم الشعب الإيراني، ليحال بينها وبين أن يكون لها مستقبل مستقل في تخير كيف تحكم إيران نفسها على أسس ديمقراطية.
السؤال الثالث: كيف ترصدين مساعي إيران للحوار مع السعودية وتطبيع العلاقات مع دول الخليج؟
الإجابة: سؤال إيران ليس سؤالاً يخص محاولتها لفرض نفسها سيداً إقليمياً في المنطقة بالقوة العسكرية وحسب، بل هو سؤال يخص أيضاً بالقدر نفسه مصيبة الشعب الإيراني في نظامه الانعزالي الشمولي. ووجود هذا النوع من النظام هو ما يحرم الشعبين الإيراني والعربي من علاقة جوار سوية. فالأصل والطبيعي أن تكون هناك علاقة سلمية بين إيران وجيرانها، إلا أن طبيعة النظام السياسي القائم في إيران حال دون ذلك من اللحظات الأولى لتولي نظام الملالي قيادة البلاد.
والمتابع لمد وجزر العلاقة مع إيران أو بالأحرى علاقة إيران مع جوارها العربي والخليجي لا بد أن يلحظ منذ ذلك الحين ذلك المزيج من الفوقية والانتهازية في علاقتها. إلا أنه من نكد حظ الحر - كما يقول المتنبي - صداقة من يعاديه. فليس لدول الخليج إلا أن تمد يداً للصلح إن أبدت إيران تحركات بهذا الاتجاه؛ لأن ليس من صالح المنطقة جرها لنزاع إقليمي لن يخدم مصلحة أي من شعوبها ولا دولها.
مع ملاحظة أن العداوات نادراً ما تكون بين الشعوب، خصوصاً مع وجود مشتركات الخبز والملح والحلم على صعيد الثقافة والتاريخ والجغرافيا والتطلعات المستقبلية التحررية، ولكن العداوات تأتي من تضارب المصالح بين هذا النظام السياسي أو ذاك، خصوصاً حين تكون هناك أطماع استحواذية كحالة النظام الأوثوقراطي بإيران في علاقته بالخليج وبالعرب عموماً.
السؤال الرابع: ملف التطبيع مع العدو الصهيوني يتصاعد مع سعي بنيامين نتنياهو ودونالد ترمب لتشكيل محور «عربي إسرائيلي» بذريعة إيران، ما تعليقكم؟
- التطبيع مع العدو الصهيوني ليس له ترمومتر إلا الحالة العربية نفسها، فلا صعود ترمب أو رحيل أوباما، ولا توتر أو انسجام علاقة البيت الأبيض بإيران هي المقياس الأساسي، تلك مرجحات ليس إلا لاتجاه الريح، أما مصدر الريح وأقطابها لقضية العلاقة مع العدو الصهيوني فهو ميزان القوى في العالم العربي، ولأي درجة يستطيع هذا الميزان أن يتمسك بالأساسيات المبدئية التي لا تتنازل لعدو مغتصب لأرض فلسطين، قتَّال لشعبها مطماع لما حولها، أو لأي درجة هو عاجز عن ذلك قولاً وليس فعلاً وحسب، فيفرط فيها.
السؤال الخامس: ما مصير مشروعات التطبيع برأيكم؟
الإجابة: تأكدي أنه في النهاية لن يصح إلا الصحيح، فمشروعات التطبيع منذ مرحلة الرئيس المصري أنور السادات التخاذلية، إلى اليوم، بتمثيلها الدبلوماسي أو التجاري أو.. أو..، مختلف بالوناتها واختباراتها أفشلها الشعب العربي وأبطل مفعولها وهو في حالة استضعاف من أنظمته ومن قوى الهيمنة في العالم، بما فيها الدولة الصهيونية، فما بالك يوم يصير في موقع وموقف قوة.