فوزية الجار الله
أكتب لكم هذه السطور وأمامي ساعات فقط لمغادرة المطار في رحلة قصيرة -ولا فخر- إلى أرض ليست بعيدة، ولذا فقد وجدت الأفكار تشدني لتأمل هذا الوقت المخنوق، المحتشد ما بين الأرض والسماء..
بعض الكتاب الملتزمين بزاوية دورية، أسبوعية غالباً لديهم طباع خاصة فهم لا يكتبون سوى في اللحظة الأخيرة، قد تتوافر لديهم الأفكار جراء قراءاتهم المستمرة والمواقف التي يعايشونها لكنهم لا يندفعون إلى ترتيبها ووضعها في إطار مقال سوى حين يكونون قاب قوسين أو أدنى من نهاية الوقت المحدد لهم، كذلك بعض الطلبة لا يجدون مزاجاً للمذاكرة سوى في اللحظة الأخيرة لكن ماذا عن آخرين؟ أولئك الذين يجدون لذة واستمتاعاً في عمل شيء في غير وقته ربما رغبة في الخروج من التوتر، بينما هو في الحقيقة يأخذ الكثير من جهدهم وطاقتهم، على سبيل المثال: حين يقترب موعد السفر وقد تبقى يوم أو يومان وربما بضع ساعات، قد يخطر في بالك أن ترسم لوحة إن كنت رساماً مغرماً بتلك الرقصة الاستثنائية المميزة ما بين الفرشاة والألوان أو ربما تهفو نفسك إلى أن تصنع طبقاً لذيذاً كانت نفسك تراودك إليه منذ زمن أو تذهب لإصلاح سيارتك رغم أنك لست في حاجة إليها الآن.. أنا مثلاً قد يخطر في ذهني أن أعد نوعاً من أنواع «الكعك» اللذيذ حيث لم أفعل ذلك بنفسي منذ مدة، وكثيراً من الأحيان يتحول ذلك إلى مجرد حلم، فقد وجدت «المقادير» واستعرضت عدة طرق مناسبة عبر «الإنترنت» لإعداد ما أردت ثم أنتبه فجأة لأجد أن الوقت ليس مناسباً سوى لإعداد نفسي للحاق برحلتي..
أتذكر مثلاً شعبياً كنت أسمعه يتردد هنا وهناك من قبل بعض الراشدين نساء ورجالاً منذ طفولتي، المثل يُذكر في مواقف التأزم الشديد حيث تُطفأ المواقد وتُغلق النوافذ والأبواب والإضاءات الداخلية والخارجية استعداداً للرحيل، حينها ريما يأتي صوت مفاجئ لأحد الأفراد المشاركين في الرحلة وهو يطلب أمراً غريباً يبدو طلباً نشازاً لا يتناسب إطلاقاً مع الزمان والمكان فيقال له (أنت مثل عجوز البدو التي أخذت تلح برغبتها في الزواج حين بدأوا بشد رحالهم بنية الرحيل إلى مضارب أخرى!)
مع الاعتذار عن هذا المثل الذي قد لا يبدو مناسباً تماماً لكن وجدته يصادفني ويبدو من خلاله إيقاع حياة مميزة لأجيال سبقتنا.
أعود إلى حديثي حول الوقت واللحظات الخاصة، منها الرومانسية الحالمة ومنها الحاسمة التي لا قبلها ولا بعدها التي لا تستوعب شيئاً آخر سوى ما أعدت له، كلنا أو يعضنا على الأقل معرضون لهذا الشتات والأفضل دائماً أن تسعى إلى أداء الأفعال المناسبة كافة في الوقت المناسب