إبراهيم عبدالله العمار
- «لماذا لم يأتِ فلان حتى الآن؟ إنه لا يهتم بي!»
- «لماذا قرأت فلانة رسائلي ولم ترد علي؟ يا له من تصرف وقح!»
- «لماذا فعل علان هذا الشيء (أياً كان)؟ صحيح أنه زميلي/ جاري/ صديقي/ إلخ لكن لا يحق له ذلك، تباً له!»
في ماذا تشترك هذه المشاعر؟ في أن الشخص المغضوب عليه غائب. لا نعرف أعذارهم، لا ندري سبب عدم رد فلانة ولا لماذا لم يأتِ فلان كما توقعوا ولا لماذا فعل علان ما فعل وضايق زميله أو جاره أو صديقه، فهُم أثناء اشتعال تلك المشاعر السلبية لم يكونوا هناك ليحكوا أعذارهم. لكن ستجد في نفسك نزعة وربما تتلذذ بسرعة الاتهام ونسبة أفعال الناس إلى اللا مبالاة أو الوقاحة أو احتقارك، حتى لو كانوا أحسن الناس أخلاقاً! لماذا نفعل هذا يا ترى؟
إنها قوة الغيب (وهنا أستخدم الكلمة بمعنى غياب الشخص عنا وليس بمعناها الإسلامي). حينما يغيب الشخص يتحول في أعيننا إلى شخص آخر...على الأقل إلى أن يعود من جديد. إذا سمعنا أنه فعل شيئاً أو نسي فعل شيء يسارع الشيطان بتحويل هذا العمل من شيء ربما يكون غير مقصود أو نتيجة سهو أو خطأ أو نسيان أو انشغال أو مشاكل شخصية أو أو أو...إلى شيء سببه الحقد أو الإهمال أو الاستخفاف بك. فإذا رأينا الشخص مرة أخرى وكلمناه كان هذا كافياً لتبديد تشكيكاتنا، ويجد الكثير أنهم كانوا متسرّعين أو ظالمين في حُكمهم على الشخص، ونتساءل: «لماذا شككنا فيهم أصلاً؟ الغائب عذره معه. المرة القادمة لن أشكك وأغضب بهذه السرعة». فإذا غاب الشخص تارة أخرى عادت التشكيكات فوراً!
إن الغيب قوي. إنه يغيّر المشاعر والأفكار، يغيّر نظرتنا للناس وتفسيرنا لتصرفاتهم بل ولنواياهم. إنه - بمساعدة الشيطان - يصنع أفكاراً من العدم، ويقوّي التشكيك. قد قيل: الغائب عن العين غائب عن البال. ليتها تتوقف هنا، بل معظم الأحيان يمكن تعديل المقولة لتصبح: الغائب عن العين.. محل اتهام!