يعرف تقييم أداء الموظفين Performance Appraisal كونها عملية منتظمة ودورية تهدف، من خلال قياس الأداء الوظيفي على المستوى الفردي وإنتاجيته، بالارتكاز إلى بعض المعايير المحددة سلفاً لمختلف الوحدات التنظيمية للوصول إلى أحكام بشأن تحقيق الأهداف التنظيمية. فعناصر التقييم ثلاثة: أولاً القياس (أداة التقييم)، والثاني الأداء (خاص بالموظف أو الوحدة التنظيمية)، والثالث الأهداف (بالجهاز التنظيمي). ثم هناك معايير لتقييم والتي عليها تمنح الدرجة مثل تحمل المسئولية وأوقات العمل وغيرها.
والتقييم بذلك يعد أمراً جوهرياً في ظل التطورات والعمل على تحسين بيئة العمل ورفع الكفاءة الإنتاجية، إلا أنه قبل الشروع في تطبيق هذا البرنامج، لا بد من استحضار أن برامج التقييم الحالية صممت أصلاً من قِبل شركات مثل Sap Successes factors وذلك للقطاع الخاص الذي يختلف في مكونه وأدائه عن القطاع الحكومي. لذا دعت الحاجة إلى تسليط الضوء للتفريق بين تقييم الأداء في الأجهزة الحكومية اللاربحية، وبين المنشآت الربحية من شركات وما أشبه، لأنّ الأجهزة اللاربحية تفتقر إلى المحور الرئيسي والعمود الفقري للعملية التقييمية وهما تحقيق الربح والتنافسية. أضف عنصراً ثالثاً وهو خضوع أكثر الأجهزة الحكومية إلى نظام الوظيفة العامة أو ما يعرف بالخدمة المدنية، وما يهمنا بشأنها هو أن الموظف العام يخضع لعلاقة تنظيمية وهي تختلف بشكل جوهري عن موظف القطاع الخاص الذي يخضع لعلاقة تعاقدية عمالية، وبالتالي يرتبط أجره بمالية الدولة لا بدخل المنشأة.
فجوهر التفريق بين الأجهزة الحكومية والشركات، أن بها إنتاجية مقترنة بالتدفق النقدي، فكل إنفاق مضاف إلى الجهد المبذول، يجب أن ينعكس كقيمة عائدة، وهذه القيمة تتأثر سلباً وإيجاباً بعامل خارجي عن المعادلة السابقة ألا وهي التنافسية، فكل ما كثر عدد مقدمي المنتج قلّت الحصة السوقية وتتأثر بالتالي القيمة العائدة كذلك، وهذا ما يحدد أهداف المنظمة وبها يحكم على أدائها، بينما الأجهزة الحكومية أهدافها التشريع والرقابة والإشراف على قطاع ما، وهنا لا يوجد منتج ملموس كما لا يوجد عائد مقترن بالمنتج، أهداف المنظمة الحكومية هي الحيلولة دون وقوع مخالفات بالإضافة إلى إيجاد بيئة عادلة والمحافظة على نماء السوق، توجد أجهزة حكومية بنوعين أحدهما تتحصل على مواردها من مالية الدولة وهي أجهزة تقليدية وأخرى تولد دخلها بذاتها - يجب ملاحظة أنها لا تسمّى ربحية، فهي وإن تمكنت من قبض مليارات كقيمة رخصة تشغيل واحدة، فتظل غير ربحية - كما أن تلك الخدمة الحكومية قد تكون مجاناً أو مقابل قيمة تسمّى رسم الخدمة، وهذا الرسم - إن وجد - فلا يمثل قيمة عائدة على الإنفاق والجهد المبذول، كما أن العمل الحكومي يفتقر إلى العامل الخارجي وهو التنافسية، مما يجعل هذه الخدمة حكراً على الجهاز فلا يخشى عليه التأثر بأي حال من الأحوال داخلياً (لغياب هدف الربحية) أو خارجياً (لغياب التنافسية)، ويكون كل من أراد العمل ضمن هذا الحقل عليه التوجه، مهما كانت جودة الخدمة المقدمة من الجهاز الحكومي للحصول على التراخيص والموافقات اللازمة بعد دفع الرسم المقرر ليتمكن من البدء في نشاطه التجاري.
هنا نلاحظ اختلال في منظومة تقييم الأداء - أي العنصر الأول القياس - حين البس ثوب أحدهما الآخر، فكيف يمكن تقييم أداء موظف حكومي بينما تختلف أهداف الجهاز بالكلية لانعدام معايير دقيقة تتناسب والقيمة العائدة للجهاز ككل. دعونا نخمن ما يمكن أن يحدث لو طبقت برامج التقييم على الأجهزة الحكومية بوضعها الحالي. في البداية يجب استعراض مبادئ العمل الحكومي غير المعلنة والتي يعلمها الجميع: «العمل الحكومي بيك بغيرك ماشي ماشي» أول حكمة في الأعمال الحكومية، وثانيها «دايم انتبه لا يمسكون عليك غياب أو تأخير، ما لهم طريق ثاني»، والثالثة «خلك على قليل الحكومة - الأمن الوظيفي»، «لا تسوى نفسك فاهم يكبون عليك، راتبك مضمون»، بالمقابل في الشركات والقطاع الخاص «تشتغل تؤاخذ ما تشتغل يفصلوك»، «انضباطية الدوام مهمة! لكن المحك إنجازك»، «دايم دور وابحث، قيمتك يحدده السوق مو عملك»، «اشتغل وتعلم لكن بحذر وذكاء، اليوم هنا وبكره مكان ثاني».
دخل الأجهزة الحكومية وماليتها تعد بمثابة كعكة مضمونة تجددها كل عام من مصادرها - مالية الدولة أو رسوم الخدمة - كما لا يحيف بها التنافس، فلا يبق بعد ذلك إلا اقتسام تلك الكعكة بين منسوبيها وكيفية ذلك؟ يخشى أن يحل التقييم الذي بدأ إقحامه على المؤسسة الحكومية وهو منتج مهيأ أصلاً للمنشآت الربحية وذات الصبغة التنافسية كما أسلفت، ليعطي مشروعية ساذجة في تفاوت أحجام قطع الكعك بين المنتفعين، من غير أن يتصبب قطرات العرق البارد على جبين المدراء. في ظل التقييم التقليدي كان الجميع يتحصل بالتساوي من يستحق ومن لم يستحق، وكان الوضع مطمئناً للضمير العام على مضض، بينما في النظام الجديد هناك من يتحصل على قطعة كبيرة وآخرون محرومون تماماً من غير أن يكون للاستحقاق أي أثر بسبب التحايل على نظام التقييم كما سيأتي، وأهم سبب ثقافة التكتلات التي سوف تملأ فراغ عدم الوضوح وغياب القدرة على التفعيل الجاد والحقيقي لتطبيق التقييم. مثلاً معيار جودة العمل كيف يمكن تقييمه ولا يوجد عائد يمكن ربط مدى واقعية الدرجة الممنوحة به؟ ستخضع للحكم الشخصي بتغليبه على الحكم الموضوعي كمعايير أخرى مثل سير وسرعة إنجاز العمل والجودة، وتحمل المسئولية ولذلك لا بد من وضع ما يسد هذا الفراغ ويجعل منح الدرجة أقرب إلى الموضوعية منه إلى النظرة الشخصية منعاً للمحسوبية وتصفية الحسابات.
dahlawil@gmail.com