إن طرائق عيشك في تجربتك الحياتية- أو خط حياتك كما هو تعبير المفكر الروسي فاديم زيلاند- التي أنت تمارس أدوارك فيها حاليا تشير بشكل وبآخر إلى مستوى طيب الحال وصلاح البال إذ أن الأمر مرتبط بك ومنطلق منك وعائد إليك وغاية ما في الأمر أن القدر أسلوبه تفاعلي معك والحياة لعبة لك وبك, وكي تكسب وتتكاثر الأرباح في جولاتها لا بد أن تجيد طرائق العيش فيها ومعها والكون يقوم على مجموعة قوانين منها قانون الوفرة والامتلاء والخير وليس كما يتم تصوير الأمر لك بأنه شحيح وأن الدنيا فقيرة والحياة شقاء وجهاد وصراع وإن مما يجب الوعي به وإدراك أبعاده ما نتحدث عنه في هذا المقال ألا وهو الفراغ. والفراغ هو الخُلُو والمكان الخالي وفي الطبيعيات والفيزياء يعرف بأنه حيز خال من المادة بصورها الثلاث وأما الفراغ الذي أقصده وهو من أجمل طرائق العيش التي لا بد أن تجيد استخدامها فهو؛ أن تترك الارتباط بجزء من أفكارك ومشاعرك بوعي تام ولما أقول بوعي تام أي أن تسمح لها بالاختفاء والتلاشي وتوجد فراغا خاليا إنه بالضبط شعور بالتحرر, ومساحة خفة روحية؛ مدهشة وحيث أن النفس كما في مدرسة الأيزوتيريك مكونة من ثلاثة أبعاد (الأفكار والمشاعر والجسد) وهذا يعني بشكل أو بآخر بأننا من خلال البعد غير المرئي عبارة عن ترددات فكرية ومشاعرية وما نريده هو أن ندرك أن هنا ثمة سر خطير وقوة هائلة لا يكاد يُقدِّر حجمها إلا من جرّب فك/ إيقاف الارتباط بذلك البعدين أي الأفكار والمشاعر. إذن فلنتفق ابتداء على أنه بإمكانك فك/ إيقاف الارتباط ببعدي الأفكار والمشاعر وأما بُعد الجسد فغني عن القول إنه لا يمكن ذلك إلا في حالة واحدة عند خوض تجربة الموت. ولنأخذ طريقتين في الحياة لإيجاد ذلك الفراغ أو بلغة أوضح لفك/ إيقاف الارتباط ببعدي الأفكار والمشاعر الأولى سلبية والثانية إيجابية, فالطريقة السلبية لإحداث الفراغ تتم عن طريق تعاطي المخدرات والخمور على سبيل المثال وغالب هؤلاء غاية ما يريدونه هو إحداث الفراغ كي يتجاوزون الذاكرة المثقلة بالذكريات وهو إن فعل ذلك -المتعاطي- شعر بأنه متحرر من كل شيء؛ وأما الطريقة الإيجابية لإحداث ذلك الفراغ فهو من خلال مثلا أسلوب التأمل (Meditation) والذي هو ممارسة واعية لتهدئة الأفكار والمشاعر لحين الوصول إلى حالة من الانسجام والتناغم والهدوء. إنهما أسلوبان لإحداث الفراغ ولكن الأول يعود عليك بالشقاء والمشقة وإن كان ظاهره عس حقيقته والثاني يعود عليك بالسلام والبهجة والاتزان. والسؤال العميق الآن: ما هي يا ترى الأفكار والمشاعر التي أنت تحملها ومستغرق فيها/ منحبس؟ وهل تدرك حجم تكوّمها؟ ولأقرب الصورة لك أكثر نحن أحيانا نرى بعض الأشخاص وصل إلى درجة متقدمة جدا جدا في السمنة ونستطيع أن نراه لأننا زُودنا بإمكانية رؤية البعد الجسدي والآن -بالله عليك- لو كنا مزودين بإمكانية رؤية بعدي الأفكار والمشاعر فكيف يمكن أن نرى أنفسنا عندما نقف أمام المرآة!!؟ وكيف يمكن للناس أن يروننا!؟ وكيف يمكن لنا نحن أن نرى أزواجنا وأولادنا والناس أجمعين!؟ ألم أقل لكم إننا بحاجة إلى إدراك معنى الوعي بالفراغ. وفي ذات السياق والبعد الجسدي ولأننا كما قلت قبل قليل مزودين بإمكانية رؤية الأجساد فتجد أن أحدنا ما أن تبدأ عليه بعض علامات السمنة إلا وتجده يأخذ قرارا ويحدد اختيارا بأنه ينوي بأن يوقف هذا التمدد بجسده ولذلك يذهب إلى الصالات الرياضية ويمارس أنواعا من الرياضة ويبدأ يقنن في مأكله ومشربه كل ذلك ليحدث فراغا في جسده بمعنى إزالة وفك/إيقاف الارتباط بمجموع الدهون والسكريات وقل نفس الشيء أننا بحاجة لذات التقنية في بعدي الأفكار والمشاعر إذ لا فرق؛ وإنما غاية الفرق هي في إمكانية الرؤية من عدمها. فأوجدوا الفراغ وأدركوا معناه تدخلون في ظلال أشجار الوعي الوارفة والتحرر الحميد والخفة النفسية المدهشة.