كوثر الأربش
دعوني أخبركم عن والدتي:
كنت طفلة في الرابعة تقريبا، عندما شعرت أن في غرفتي شبحًا. كان ظلاً أسوداً مخيفًا وضخمًا. أمسكت بيدي، واقتربنا، وكان قلبي يرتجف، وجعلتني أرى بنفسي أنه كان ظلا لمريولي المكوم والمرمي هناك. هكذا كانت أمي تعلمني الفرق بين الحقيقة والوهم. وكانت تقول: بين الحقيقة والوهم أربعة أصابع. وتضع أصابعها الأربعة بين عينها وأذنها. هكذا صنعت أمي أماننا النفسي، علمتنا كيف نواجه الخوف. لأن الخوف هو المصدر الأساسي للخرافة، وأحد أهم مصادر القسوة، لذا فالانتصار على الخوف هو بداية الحكمة، كما قال برتراند راسل.
وأنا متأكدة أن أمهاتكن فعلن ذلك. للمرأة دور كبير في صناعة الأمن النفسي لأطفالها، كان هذا قديمًا، قبل أن تكتشف المرأة حجم ما تستطيع فعله، قبل أن تتيح لها سياسيات العالم الحديث أن تختبر قوتها. لا أعني قوة الصراع، القتل، التدمير. بل أعني تحديدًا بداية الخروج من الشرنقة، تلك الحركات النسوية الشجاعة التي أنتجت قرارات دولية تعيد المرأة لموضعها الطبيعي في المجتمع، والنظر إليها كإنسان كامل الأهلية. بدأت الحكاية إبان الحروب الأوربية والحرب الأهلية في القرن السابع عشر في إنجلترا، التي أدت إلى ظهور الفلسفة الليبرالية التنويرية وأصبحت حقوق الإنسان شاغلاً واهتماما رئيسيا للثقافة الفكرية الأوربية في القرن الثامن عشر (لابد من الإشارة هنا أن الليبرالية اليوم انحرفت كثيرًا عن مقاصدها عن ما بدأت به في القرون الأولية) ثم وضعت فكرة حقوق الإنسان أثناء قيام الثورات الأمريكية والفرنسية التي دشنت عهد الثورة الديموقراطية طوال القرن التاسع عشر مما ساعد على ظهور الاقتراع العام. الحروب العالمية في القرن العشرين أدت إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. هذا الوعي الحقوقي طال المرأة، فبدأ بالمساواة بين الجنسين إلى مفهوم إلغاء التمييز ضد المرأة وصولاً لمناهضة العنف المسلط على النساء. لسنا بحاجة اليوم لنبدأ من حيث بدأ الآخرون. كانت تلك الحقبة مرحلة تشبه الهزة التي أعادت هيكلة الفكر الإنساني. اليوم، ليس علينا أن نكرر ماحدث، الطريق معبّد، كل ماعلينا فعله هو فتح المزيد من المجالات أمام المرأة، في الأمن، القيادة، الوزارة، وما على المرأة إلا أن تتقدم وتخرج أفضل مالديها.