د. جاسر الحربش
في عام 1992م نشر الباحث الأمريكي الآسيوي الأصل فوكوياما كتابه عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير. قال أن التحكم في المستقبل انتهى لصالح نظام الحكم والتنافس الديموقراطي الحر كما هو مطبق في الغرب. في 1993م نشر أستاذه السابق هنتينجتون مقالاً في صحيفة شؤون خارجية، كمداخلة على نظرية تلميذه فوكوياما. هنتينجتون طرح نظرية تتنبأ بأن المرتكز الرئيسي لتشكيل المستقبل سوف يقوم على صراع الحضارات المدعم بهويات الشعوب الثقافية والدينية، وليس بالمنافسة الديموقراطية على الأسواق والأفكار.
دخل العالم الآن بالفعل في بداية صراع الحضارات الذي تنبأ به صامويل هنتينجتون. فوكوياما سحب نظريته بعد الانتخابات الأمريكية الأخيرة واعتذر.
هل يمكن تجاهل الإشاعات عن تفاهمات سرية بين الرئيس الأمريكي ترامب والروسي بوتين، باعتبارها مجرد هفوات ترتكبها الإدارة الأمريكية الجديدة لأنها مخترقة تعمل لصالح الروس ضد المصالح القومية الأمريكية؟. المتوقع أن الموضوع أعمق من ذلك، بمعنى أن هناك جس نبض للتنسيق المستقبلي بين حضارتين تنتميان لنفس الهويات في الأصول العرقية (كوكيجيان) والدينية (المسيحية) ضد حضارة مختلفة عنهما في كل شيء، لكنها تهدد هيمنتهما على العالم الممتدة لخمسة قرون، وهي الحضارة الكونفوشيوسية الصينية.
الإدارة الأمريكية الجديدة ليست الرئيس فقط، وخلف الرئيس تقبع دوائر كبيرة من المنظرين والمفكرين والمخططين للمستقبل ورجال الدين، من يعتقد أن الروس سوف يستمرون أصدقاء للصين على المدى الطويل لأن الطرفين حالياً على وفاق، عليه أن يعيد قراءة التاريخ البشري.
توجد منذ الآن بعض الدلائل على محاولات التنسيق ضد الصين، منها التقارب الأمريكي الروسي لإيجاد حلول لصالح الطرفين في الشرق الأوسط، ومحاولة تحريك الأقليات العرقية ضد دولة عثمانية محتملة في تركيا، واللغة الودية بين ترامب وبوتين.
الآن تطلب الولايات المتحدة الأمريكية من اليابان رفع إنفاقها العسكري وهي التي ضربتها بسلاحين نوويين لم تضرب بهما ألمانيا النازية وكبلتها بمعاهدة منع التسلح، وكذلك تطلب من كوريا وتايوان رد الجميل على التغذية والتسمين في العقود السابقة. اليابانيون والكوريون والتايوانيون الصينيون يدركون أن رد الجميل المطلوب سوف يكون ضد الصين الكبرى، وسوف تقرع أجراس الجغرافيا والهويات والمشتركات الثقافية والعرقية في كل الآذان الآسيوية. هل تكفى بضعة عقود من المساعدات المالية والتقنية لتحييد المشتركات عبر العقود الطويلة ومخاطرة التحرش بالعملاق الصيني عبر الحدود المشتركة؟.
الحضارة الثالثة التي ذكرها هنتينجتون هي الإسلامية، والتي كما أعتقد هنتيجتون سوف تصطف مع الحضارة الكونفوشيوسية.. بكل تواضع أعتقد أنه لا يوجد حالياً حضارة إسلامية بمعنى الحضور العسكري الفاعل والمنسق، وربما تكون هي إحدى غنائم الصراع على المستقبل فقط لا غير.