عمر إبراهيم الرشيد
وسط هذه الأحداث التي تعصف بدول المنطقة قد تمر بعض المشاهد أو قل كثير منها دون أن تأخذ حقها من الاهتمام، ليس لذاتها فحسب وإنما لمعانيها وتأثيرها الذي قد لا يدركه إلا القلة. في السابع عشر من مارس/ آذار الماضي من هذا العام قدمت ريما خلف استقالتها من منصبها كأمين للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا). سبب الاستقالة هو سحب تقرير أعدته (اسكوا) يؤكد أن حكومة الاحتلال (إسرائيل) تنتهج سياسة الفصل العنصري في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، كما كان الحال من قبل حكومة جنوب إفريقيا العنصرية سابقا تجاه الشعب الجنوب إفريقي فيما عرف باسم (ابارثايد).
السيدة ريما خلف وهي الأردنية الجنسية ولدت في الكويت عام 1953 ونالت شهادتها الجامعية في الاقتصاد من الجامعة الأمريكية في بيروت، وأتمت تعليمها العالي بحصولها على الدكتوراه في علم الأنظمة من جامعة بورتلاند الأمريكية عام 84م. في وطنها الأردن تسلمت عدة مناصب، كوزيرة للصناعة والتجارة ثم التخطيط فنائبة لرئيس الوزراء، وذلك من 95 إلى عام 2000م.
وفوق ذلك فهي ليست حديثة عهد بالأمم المتحدة فقد سبق وأن عملت مساعدة للأمين العام للأمم المتحدة ومديرة إقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من 2000 إلى 2006 م، عملت خلالها على تنفيذ برامج للتنمية البشرية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد في البلاد العربية. إلى أن تولت منصبها الأخير في (اسكوا) كما ذكرت منذ 2010م وحتى استقالتها منه هذا العام. إنما سردت هذه المعلومات المهنية عن هذه الشخصية المتميزة للإشارة إلى أنها تتكئ على خلفية علمية وفكرية صلبة، كما أنها خدمت وطنها بعدة مهام ومسئوليات، لكنها لم تنس محيطها العربي وقضيته الأولى الفلسطينية. ومعلوم لكل عاقل إغراء المنصب وخاصة في منظمة كالأمم المتحدة، عدا عن تأثير رؤسائها وأولهم الأمين العام الجديد غوتيريز، ومع ذلك اتخذت هذا الموقف الشجاع و(قاومت) بتثبيت موقفها من هذا التقرير مفضلة الاستقالة على الاستمرار في منصب يتطلع إليه الرجال على اختلاف توجهاتهم قبل النساء. النضال والمقاومة لا تنحصر في الميدان فلها ميادين كما يعلم قارئ هذه السطور، لها ميدان الفكر والسياسة والثقافة ومنظمات المجتمع المدني وغير ذلك من طرق ووسائل في محافل إقليمية ودولية كهذه المنظمة. كما لايخفى تأثير عدة منظمات تعمل لصالح الكيان الصهيوني على هذه المنظمة كما على حكومات دول عديدة عظمى أو حتى ثانوية، في عمل دؤوب لا يكلون أو يملونه منذ عقد أول مؤتمر تأسيسي لهم في بازل بسويسرا عام 1897م . ريما خلف جسدت مثالا للمرأة العربية المخلصة لأمتها، امرأة بخلفية فكرية ومهنية رفيعة رفضت التماهي والانجراف مع التيار الأممي المتخاذل كما عهدناه، فتحية لشموخها!.