سام الغُباري
انطلق دواعش العراق بموازاة الحوثيين في اليمن لاقتحام المدن النائمة، كانوا يتنافسون في الجريمة والدم، الدواعش يبحثون عن الكفار!، والحوثيون يصطادون من أسموهم الدواعش!، تدخل التحالف الدولي بقيادة أميركا لضرب قدرات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» بطلب رسمي من الحكومة العراقية، وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لضرب قدرات الحوثيين بطلب رسمي من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
- إلى هنا، وكل شيء يبدو في سياقه الطبيعي، غير أن هناك من يُطِل من العراق على قنوات التلفزة الموالية لإيران لإدانة التدخل العربي في اليمن!، بينما يصفق للقوات الأميركية التي تحارب داعش في شوارع الموصل مع ميليشيا الحشد الشعبي الشيعي!، ومن اليمن يُطِل الحوثيون في قنوات تلفزة تُدار من الضاحية الجنوبية ببيروت لإدانة التدخل العربي، ولا يجدون حرجًا في مناصرة صامتة لجهود الدول الغربية في العراق!.
- لا يختلف الحوثيون في جريمتهم العنصرية وجوهرهم المذهبي الدموي عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وإن اختلف المذهب فجميعهم يغرقون في دماء الأبرياء، الفارق أن العراقيين بالمجمل لا يتحدثون عن قوات التحالف الغربية بعدوانية، فقط هي «داعش» وزعيمها أبوبكر البغدادي من يصفهم بـ»العدوان»، كأنه يسرق العبارات من فم «عبدالملك الحوثي» الذي يتحدث كإرهابي حقيقي من داعش.
- البغدادي يسعى لتحقيق الخلافة الإسلامية التي سحقها التتار في بغداد قبل سبعمائة عام، والحوثي يقاتل من أجل الولاية، فالخلافة في نظره أوصلت «أبوبكر الصديق» إلى السلطة وحرمت «علي بن أبي طالب» منها، وهو الإمام الذي يشيع أنصاره أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله وليًا من بعده!. عجز البغدادي وربيبه الحوثي عن تقديم نظرية جديدة وملائمة للحكم تتناسب مع الحياة العصرية، فعمدا إلى تعميد الواقع بدم التاريخ. وفيما لا تزال «داعش» تثير أسئلة جوهرية حول طبيعتها وقدراتها المفاجئة وبكونها «حصان طروادة» لتغيير الديموغرافية السكانية في العراق، فإن «الحوثيين» شكلٌ آخر من ذلك التغيير الذي يجعل اليمن نسخة من مدينة مشهد الإيرانية، حيث القباب الذهبية الكبيرة، والعمائم القطنية البيضاء الملفوفة حول طبق مزخرف من القصب، وحيث يكون الحُكم لولي مقدس يتلقى وحيًا إلهيًا يدعم «حقه» في الحُكم والسلطة والثروة، ويوغل يديه في رقاب الناس وحياتهم !.
- الانتصار على داعش هزيمة للإرهاب الذي احتل مدن العراق وقد اختفى جيشها وشرطتها، وتركوا الأبرياء العُزل في مواجهة بلا إنذار مع إرهابيين يقودون دبابات متطورة ! مثلما حدث في اليمن حيث كان الحوثيون يقتحمون المدن ويتسلمون مخازن المعسكرات ومرافق الدولة دون مقاومة من الجيش اليمني الذي أخضعه «علي عبدالله صالح» لهم، نكاية في تمديد الرئيس «هادي» لرئاسته، وقد اختفت أيضًا جيوش العراق وشرطتها بتوجيهات من «نوري المالكي» الذي كان يعيش أيامه الأخيرة في رئاسة الوزراء، ما جعله يفكر بالعودة وضرب مخالفيه بيد «داعش»، كي يكون للشيعة جيشٌ طائفي يُقره البرلمان العراقي تقديرًا لجهودهم في محاربة الإرهاب الموصوم بأنه «سُني»!
- يلبس المجرمون ثياب الواعظين، وقد صارت لهم تنظيمات مسلحة لا تنكفئ على نفسها بالترويج للمخدرات كما كانت تفعل «المافيا»، لقد تجاوزوا الأمر، وصاروا طلاب سلطة، سئموا من شراء ذمم المسؤولين ورشوة ضباط الجيش والشرطة لتسهيل تجارتهم، فحدثوا أنفسهم: لِمَ لا نكون الدولة؟، كانت تلك اللحظة الفارقة التي جعلتهم ينقبون في التاريخ عن متكأ يحققون فيه أمنيتهم. وجد البغدادي الخلافة، وتمسك الحوثي بالولاية كرجل يقول إنه حفيد «علي بن أبي طالب»، وفي الجوار تأهبت «إيران» لدعم أولئك المجانين، وعينها على «مكة»!.
- ما يحز في نفسي أن العراقيين لا يرون لعناصر داعش أي أحقية بالحكم وإن كانوا عراقيين، ولم نسمع صوتًا يصفهم كـ»مكون سياسي»!، بينما يحتشد بعض اليمنيين في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء احتجاجًا على قتال الحوثيين وإسقاطهم من السلطة التي اغتصبوها بالقهر وقوة السلاح، وقد تجد من يقول لك في تعليق خشن: أليس الحوثي يمني، فهو مِنّا ويحق له أن يحكم !
.. يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
.. وإلى لقاء يتجدد