عبد الرحمن بن محمد السدحان
* يقولون في سياق التداول الاجتماعي، إن عمْرواً من الناس (عصبيّ) المزاج، وينْصَحُ المتعاملون معه بالحذر منه، درْءاً لسلبيات (عصبيته) أو ردْعاً لها!
***
* وأحسب أن ما يُقال في هذا الصدد لا يخْلو من الحقيقة، لكن الغلوَّ في طرحه قد ينبع من سوء الظن أو الفهم أو كليْهما، وأجدني في هذا الصدد متعاطفاً مع الحكمة (الوسطية)، فأقول: إنّ للعصبية مراتبَ ودرجاتٍ، ومن ثَمّ، فهي ليسَتْ شراً دائماً يحْذَرُ منها المرءُ ويُحَذَّر، إلاّ إذا بلَغتْ حدّاً ينوء به الحمْلُ ويتَمرّد عليه الصبرُ!
***
* وانطلاقاً من الموقفِ (الوسطي) آنف الذكر، أقول:
أولاً:
* هناك نمط من البشر (يحْتَرقُ) حماساً حين يُعهَدُ إليه بإنجازِ مهمةٍ ما، فيستنفر طاقاتِه ومهاراتِه من أجلها، ولهذا الاحتراق (الإيجابي) (دخانٌ أبيض) هو ما يسميه البعض (عصبية) لكنه في الحقيقة (مؤَشِّر) إيجابيّ لأهَميّة الحدث، والاهتمام به، والرغبة الملحة في إنجازه طمعاً في السمو الذاتي من خلاله. والعصبية في موقف كهذا تضيءُ ولا تُحْرق! وهي تعبيرٌ (دافئٌ) عن رغبة صاحبها في بلوغ القصد المراد أداؤُه، على نحو يُقرّبُه من الإنجاز، ولا أقول (الكمال)، وينْأَى به عن القصور!
***
ثانياً:
* أعتقد أن المرءَ (العصبيَّ) على النحو الذي سلف ذكره هو أفضلُ من آخر يغلفُ طبعَه (صقيعُ) اللاّمبالاة باسمِ الحُلم وهُدوءِ البال.
لماذا؟
أ) لأن العصبيَّ (الوسطيَّ) في معظم الأحوال طاهرُ القلب، نقيُّ السريرة، مأْمونُ الجانب، لا يضمرُ الغيظَ، ولا (يُرغِم) نفسَه على كُرْه أحد، لا بل إن (عصبيتَه) تقضى على (بكتريا) الغضب في وجدانه، فلا تكونُ له (تراكماتٌ) تُنذرُ بالانفجار يوماً من الأيام!
***
ب) أن المفْرِطَ في (الحلم) أو (صقيعيَّ الطبع) قد يكون أحياناً وبَالاً على نفسه قبل غيره، فهو يُقَابلُ ما يغضبُه بالصَّمت، في وقت يختزنُ فيه الغيظَ في أعمَاقِه، وقد يبلغُ به الغيظُ يوماً ما حَدّاً ينذِرُ بالانفجار، ولذا، يوجسُ الناسُ خيفةً من طبع الحليم المفرط في حلمه، لأنهم لا يعلمون متى يغضَب ومتى يَرْضى، ولماذا يغضب أو يرضى، في حين أن (العصبَّي) لا يُدثِّرُ شخصيتَه بلثَام من المجاملة الكاذبة أو (الحلم) المتّزر بالغضب، ومن ثم يَعرفُ المتعاملُون معه كيف يدبِّرون شؤونَهم، وهو بدوره يحثُّهم (بعصَبيّته) على بذْل الحدّ الأقصى من الجهد بدلاً من الاسترخاء في أداء مهامهم!
***
أخيراً، وتأسيساً على ما سبق، أُقِرُّ بأنّني أنْتَمي إلى شريحة (العصبيّة الوسطية) بمقدارٍ يجعلني - بإذن الله - بمنأَىً عن (الحمق)، والحكمة هنا ليست في أن يكون المرءُ مِنَّا (عصبياً) أو لا يكون، ولكن في كيفية (تَطْويع عصَبيته) كي تقْتَرنَ بإيجَابيّةِ الأداء والرغبةِ في إنجازِ الأفضل!