يوسف المحيميد
أن تقرر وزارة التعليم التوقف عن طباعة عشرات الملايين سنويًا من الكتب المدرسية، لأسباب تتعلق بتوفير تكاليف طباعتها، وتمزيقها من قبل الطلاب نهاية العام، وتأخر المطابع بتوريدها للمدارس عند بداية كل عام دراسي، لا يشير إلى الرغبة الحقيقية في السير حثيثًا نحو فكر ووعي هذا الجيل الرقمي، فلا يوجد ما يؤكد أن هناك خططًا لتغيير المحتوى المعرفي في هذه الكتب، وجعله أكثر جدّة وتطورًا، فمن غير المقبول أن نضع محتوى تقليديًا لا يتفق مع العصر الرقمي داخل إناء جديد، كيف نستوعب رؤية باب خشبي شعبي قديم في منزل ذي تصميم حديث؟
أعتقد أن كثيرًا من البيوت دخلتها الأجهزة الذكية، ومعظم أطفالنا يتعاملون مع هذه الأجهزة اللوحية قبل الذهاب إلى المدرسة، وهم من اكتشف، من خلال اليوتيوب وغيره، أحدث وسائل التعليم باللغة الإنجليزية، ولعل المثير للدهشة أن أطفالنا تعلموا حروف الإنجليزية قبل العربية، لسبب بسيط جدًا، وهو المحتوى المعرفي الذي يحمل تشويقًا لهؤلاء الأطفال، فالتعليم من خلال المتعة والتسلية هو الأكثر قدرة وتأثيرًا على ذهن الطفل، أما أن نضع بين أيدي التلاميذ أجهزة لوحية ذكية، لكنها تحمل المضمون القديم ذاته، فهل لن تحقق قفزة التعليم التي ننتظرها، ونحلم بها منذ سنوات، حتى شعر بَعضُنَا بالملل، وحسم الأمر بإلحاق أطفاله في المدارس الأجنبية!
منذ أكثر من عشر سنوات تم تأسيس هيئة تطوير التعليم العام، وألحق بها مستشارون كثر، تم التعاقد معهم بمبالغ شهرية تصل مائة ألف ريال وأكثر، ولكن لأنهم مجرد موظفين سابقين، لا تخلو أفكارهم من البيروقراطية، والتفكير المغلق داخل الصندوق، لم نحقق من خلالهم شيئًا يذكر، لذلك ستبقى مشكلة التعليم في المضمون وليس في الشكل، وما لم يتم استقطاب عقول متجاوزة وقادرة على التفكير خارج الصندوق، حتى لو كانوا من قيادات التعليم في الغرب والشرق، فلن نحقق ما يتلاءم مع شكل رقمي للكتاب، بصفته أحد أشكال العصر الرقمي الجديد... سيبقى الكتاب هو ذاته، بمضمونه وأفكاره ولجنة تأليفه وتحريره، لكن المختلف هو التصفح من خلال شاشة صغيرة!
نحن مع الوزارة في تجديد الشكل، واستبدال الكتاب الورقي بالأجهزة الرقمية اللوحية، لكننا لسنا معها في بقاء عناصر التعليم كما هي، سواء في المحتوى، أو المعلم الذي سيقدم هذا المحتوى من خلال وسيلة تعليم جديدة، لا بد من تطوير المنظومة كلها، كي نصل إلى مخرجات تعليم متقدمة.