د. محمد عبدالله الخازم
التوجه السائد في خطابنا الإداري الحالي يرتكز على الجانب الاقتصادي (زيادة الموارد وتقليص المصروفات والسعودة والخصخصة..إلخ) وفي خضم كل ذلك ووسط الضجيج، هناك صوت مهم غائب، إلا وهو صوت أهل المهنة أنفسهم، وهذا يقود إلى أسئلة. هل يوجد لدينا صوت مهني (من المهنة أيًا كانت تلك المهنة)؟ من يحق له التحدث باسم المنتمين إلى مهنة محددة، وكيف حصل على ذلك الحق؟ هل المتحدثون والمنظرون في وسائل الإعلام يمثلون حقًا الصوت المهني لمهنهم المختلفة، أم أن صوتهم يبدو مجلجلاً فقط لأنهم الأقدر على الاعتلاء الكلامي والأقدر على بناء العلاقات الإعلامية التجارية الاجتماعية؟
عند الحديث عن الخصخصة، مثلاً، الحكومة ستكون مسؤولة عن التشريع التنظيمي وستكون مسؤولة عن تصريحات العمل للقطاع الخاص وستقوم بأدوار رقابية إشرافية تضمن في الأساس تدفق عائداتها المرجوة من برنامج التخصيص، بينما القطاع الخاص سيكون اهتمامه الرئيس منصبًا على زيادة عائداته وأرباحه وبدرجة ثانية على الوفاء بالشروط الرسمية في عملية التخصيص. لكن صوت أهل المهن ضعيف ولا يجدون من يرعاه أو يمثله أمام تضارب المصالح سواء الحكومية أو الخاصة. المستهلك كذلك قد يجد نفسه في النهاية أسير مصلحتين، حكومية وخاصة، تتفقان على جني أكبر من الأرباح التي تأتي على حسابه، وفي أحسن الأحوال قد يجد نفسه بين مطرقة جهة حكومية ذات آليات رقابية وتقييمية متواضعة وسندان قطاع خاص جل تركيزه تحقيق الأرباح الفاحشة. دون أن يجد جهة أخرى تضبط هذه العلاقة وتسعى لجعلها مفيدة لصالح المستهلك وصالح العامل وصالح التطوير المهني. كلاهما، أي المستهلك والمهني يهمهم في الغالب الحفاظ على مبدأ العدالة ومبادئ المهنة المعنية، والأجدر بتمثيلهم هو الهيئات والتنظيمات الأهلية والمهنية المستقلة..
على سبيل المثال تجري عمليات تعديل أو تطوير بما فيها عمليات تخصيص غير واضحة في القطاع الصحي، فهل هناك صوت للأطباء في خضم كل ذلك؟ ومثلها في التعليم، والنقل والمحاماة وبقية المهن أو المجالات. يجب ملاحظة أن الطبيب الإداري، أو المتخصص؛ لا يمثل صوت المهنة وإنما مصالحة أو المنظومة الإدارية التي يعمل بها..
يجب أن نعترف؛ ونحن نعاني في موضوع العمل بعدم وجود رابطة أو هيئة تحمي حقوق العاملين في كل مهنة وتنصفهم أمام أرباب العمل وأمام مشرعي النظم العمالية والمهنية المختلفة، بل وتحافظ على هيبة مهنهم ومثاليتها أمام المستهلك عبر الالتزام والإلزام بأخلاقياتها ومعاييرها المهنية. الجميع يتحدث باسم الخصخصة والسعودة والتحول باستثناء أصحاب المهن المعنية، فأصواتهم مغيبة ولا نكاد نسمع وجهة نظرهم المتخصصة بوضوح..
التحفظ على وجود الجمعيات والاتحادات المهنية الأهلية واضح، وبعضها أسس بطريقة غير مستقلة أو مفرغة من بعض أهدافها المفترضة؛ كما هو الحال مع الجمعيات الأكاديمية والهيئات شبه الحكومية، التي لا تمثل صوت العاملين في المهن ولا تدافع عنهم ولا تبرز قيمهم بشكل مستقل وواضح. نحتاج إلى إزالة المخاوف وتجاوز التحفظات.
التنظيم الاقتصادي له أبعاد أو مكونات إدارية وتشريعية ورقابية ومجتمعية ومهنية، وطالما نحن نطمح في رؤية اقتصادية منافسة عالميًا فعلينا دعم جميع المكونات حتى لا يكون السير سليمًا مطمئنًا في دهاليزها...