مها محمد الشريف
ثمة من يقول الحرب «لا نصر وهناك قتلى أبرياء». لطالما تمثلت هذه المهام في حروب سابقة بإبقاء المدنيين بعيدًا عن سماء القنابل والصواريخ، ففي موضوع الإنسانية مثلاً سنصبح جميعًا خبراء ومتخصصين وعلى علم بما يحدث من مآسٍ في العالم المجاور، وثمن ذلك خوف وقلق في ارتفاع مستمر.
إن التقنيات التي فرضت على العالم العيش المشترك أجبرته على ردود أفعال تكتظ بالفوضى. إِذ لا يمكن فصل الوعي عن مثيرات العالم الخارجي كما ربط برتراند راسل ذلك بردود أفعال تجاه وسطه، وإدراك الواقع والأشياء التي جعلته يرتبط بالجزء الأساسي من حياة المجتمعات الأخرى بدرجة كبيرة، يشعر بما تعانيه من مآسٍ وحروب، وينعكس ذلك سلبًا على حياته ووعيه والشعور بالأشياء من حوله.
كل ما يمكن أن يُقال: هل سينجح الإنسان في تصحيح كل الاختلالات التي تسبب بها؟ والتحرر من بشاعة الصور- الصور التي أظهرت نازحين من الأحياء الغربية وهم يحملون جثث قتلى بينهم أطفال- على عربات خشبية، وقتل هؤلاء جراء القصف المدفعي. هذا عشرات بل مئات القتلى في مجزرة الموصل، وكل يبريء ساحته حيث أعلن مصدر عسكري فرنسي أن طائرات فرنسية شنت غارات على مدينة الموصل العراقية في 17 مارس، لكنها لم تستهدف المنطقة التي قتل فيها عدد كبير من المدنيين.
وقال المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية الكولونيل باتريك شتايغر في مؤتمره الصحفي الأسبوعي، الخميس: «في 17 مارس، شنت الطائرات الفرنسية ضربات على الموصل ولم تستهدف منطقة سقوط المدنيين بل منطقة مجاورة لها».
وكذلك الحال بالنسبة للقيادة الأمريكية، عندما أقرت الثلاثاء الماضي، أن التحالف قد يكون أدى دورًا في مقتل المدنيين، وتحدَّثت عن إمكان أن يكون «داعش» استخدم سيارة مفخخة.
لقد كشف سقوط هذه الأعداد الكبيرة من المدنيين بين قتيل وجريح كوارث الحرب والخطأ الفادح. كثيرون لعبوا على هذه الأعذار في حقبة الماضي التعيس للحرب في عديد من الأقطار المتقدمة، وسُجلت في خانة جرائم حرب مع وقف التنفيذ، وهذه الجرائم يعجز المجتمع الدولي أن يُشير إليها بأصابع الاتهام مهما أسهمت في حجم الخسائر البشرية أو الاقتصادية، ومعالجة الأخطاء ليكون هدفها الرئيس استقرار المنطقة، وفي الحقيقة هذه الأخطاء أسهمت بشكل كبير في زعزعة أركان البلاد وأمن المدنيين.
إذا كانت فرنسا والقيادة الأمريكية قد خرجتا من عقدة الذنب، فلا يعني ذلك دخولهما في مرحلة أخرى أكثر نزاهة، فالذين سقطوا أمام هذا التمزق أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء. كيف يحلم الإنسان بالسلام وهو يبحث عمن يتحمل مسؤولية هذه السقوط؟ أم هو الغطاء التقني من الأسلحة المتطورة التي أحرقت الأخضر واليابس، ليبقى الخيار الأصعب القبول بضربات متتالية للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على المدينة، وقوة القنابل، أم بقاء داعش؟
على ضوء هذه التصورات، يكون الخيار الصعب أكبر من أي قرار آخر يحجب الحقيقة ويؤجل الحلول، تنامي القتل والحرب تغلب على جهود السلام في المنطقة ومستقبل العراق، وستعيش داخل هذا القرن صراعات تمتد على خط متصل بناءً على العوامل المحيطة.
ليست المرة الأولى التي تنتهي المغامرة إلى هزيمة ثم إلى الاحتلال. النبوءات التشاؤمية تقفز إلى ساحة العقول المدركة لما يحصل من مأساة على أرض الموصل، وتنتهي جميع الأعذار إلى قول القيادة الأمريكية: «الحد قدر الإمكان من الخطر على المدنيين». إنها الحرب أيها السادة.