د.عبدالله مناع
تواصلت اجتماعات القمم العربية (العادية) وغير العادية - منذ إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945م، وانعقاد أول قممها العربية في قرية أنشاص المصرية عام 1946م بـ(الملوك) والرؤساء المؤسسين لها.. إلى يومنا هذا - حتى بلغت في قمة (البحر الميت) أربعاً وثلاثين قمة عربية.. ما بين (عادية) و(طارئة)، ولولا الإيحاءات السلبية التي قد يتركها مسماها بـ(قمة البحر الميت) لملأ ذكر نجاحها الآفاق.. إلا أنها.. وبحق كانت واحدة من القمم العربية الناجحة تاريخياً في ظل ظروف انعقادها السياسية المتشابكة والمعقدة: إقليمياً وعربياً ودولياً.. مع قدوم رئيس أمريكي جمهوري جديد لـ(البيت الأبيض) برؤى وآراء مختلفة عن سابقه تجاه القضايا العربية.. وفي مقدمتها قضية العرب المركزية الأولى: القضية الفلسطينية..!!
لقد كان أول أسباب نجاحها دون شك هو (الخوف) على مصير الأمة العربية.. من الذوبان والتلاشي.. بعد حالة (التهميش) السياسي الذي عاشته الأمة العربية طوال سنوات الألفية الثالثة.. بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م، أما ثاني أسباب النجاح فقد كان يتمثل في هذه المشاركة الموسعة من قبل أغلبية القادة والزعماء العرب في أعمال القمة.. إذ لم يتخلف أحد منهم إلا ثلاثة أو أربعة.. ربما لأسباب صحية بأكثر منها سياسية، أما سبب النجاح الثالث.. فقد كان في شخص رئيس القمة الملك عبدالله الثاني - ملك الأردن - الذي خلف الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز.. في رئاسة القمة، فقد كان مفاجأة في خطابه الافتتاحي: لغة وتوقيتاً وتركيزاً على أهم الأزمات العربية السياسية التي على (القمة) مواجهتها، وإيجاد الحلول لها.. وفي مقدمتها أزمة السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، فالأزمة السورية الطاحنة فالعراقية فالليبية فاليمنية، أما السبب الرابع والأخير في هذا النجاح فقد كان لـ(الجامعة) العربية وأمينها العام السيد أحمد أبو الغيط، الذي استطاع.. أن يختصر بنودها من ثلاثين بنداً إلى سبعة عشر بنداً - وهو كثير!! - لتخرج القمة في ختامها بـ(إعلان عمان)، الذي ركز على تلك الأزمات العربية الرئيسة الخمس (فلسطين وسوريا والعراق وليبيا واليمن) مضافاً إليها: التدخل الإيراني في الشؤون العربية الداخلية، ودعم دول المَهَاجِر العربية (لبنان والأردن ومصر) اقتصادياً بما يمكنها من استيعاب مئات الآلاف من المهاجرين إليها مؤقتاً.. وإلى حين عودتهم إلى أوطانهم.
* * *
على أن هذا النجاح النسبي لـ(قمة البحر الميت).. مقارنة بنجاحات كاسحة لـ(قمم) عربية أخرى سابقة كـ(القمة العربية) العادية الرابعة التي عقدت بعد شهرين من نكسة يونيو/ حزيران من عام 1967م.. في التاسع والعشرين من شهر أغسطس من عام 1967م في الخرطوم، والتي أسفرت عن (لاءاتها) الثلاث المعروفة مع دعم مالي سنوي ضخم لدولتي المواجهة (مصر والأردن).. لإعادة بناء قواتهما المسلحة فيهما، وهو الدعم الذي حقق في النهاية أول نصر عسكري عربي على إسرائيل بعد ستة أعوام من النكسة.. والمعروف بـ(نصر أكتوبر)!! أو كالقمة العربية الطارئة الثالثة في سبتمبر من عام 1970م التي أنهت بنجاح الاقتتال بين الأشقاء الأردنيين والفلسطينيين أو كالقمة العربية العادية الثامنة في أكتوبر من عام 1976م التي كرست جهودها لإعمار لبنان بعد حربه الأهلية الطويلة، أو كالقمة الرابعة عشرة العادية التي عقدت في العاصمة اللبنانية بيروت في (الثامن والعشرين) من شهر مارس من عام 2002م، والتي أعلنت فيها المبادرة العربية للسلام مع دعم ميزانية السلطة الفلسطينية بـ(330) مليون دولار شهرياً لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.. لم يخل من عثرات كان أبرزها ما تم تداوله في اجتماعات وزراء الخارجية، وتسرب لوسائل الإعلام.. حول رفض الوزراء لـ(ترشيح إسرائيل لعضوية مجلس الأمن)..!! وهو أمر لم يكن ليخطر ببال أي عربي.. فضلاً عن أن يكون ذلك العربي وزيراً للخارجية.. خاصة أن الترشيح لعضوية مجلس الأمن من غير أعضائه الخمسة الدائمين يخضع كما يعلم الكثيرون لـ(آلية) قارية.. ولا علاقة له بـ(قمة عربية) عقدت في آسيا أو أفريقيا.. وهو ما وضع وزراء الخارجية العرب في دائرة من الشكوك تحوم حولهم، إلا أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة - الحاضر - لهذه القمة العربية (أنطونيو غوتيريس) قد طلب ذلك من مجلس وزراء الخارجية العرب..!! وحتى لو طلب ذلك.. وفقاً لمعايير الترشيح الأممية التي يلتزم بها.. فقد كان يتوجب على الأمانة العامة.. أن تقوم بحذفه من (مضبطة) الجلسة، لأن الإشارة إليه (مهزلة).. ترقى إلى مستوى الفضيحة السياسية حتى ولو كان بإعلان (رفضه)..!!
فهل يعقل أن يطلب من وزراء الخارجية العرب في قمتهم.. الموافقة أو عدم الموافقة على ترشيح (إسرائيل) لعضوية مجلس الأمن آسيوياً؟ وهي التي لم تنفذ قراراً واحداً من قراراته طوال سنوات حياتها.. أو اغتصابها - على وجه الدقة - لـ(فلسطين).. بموجب (صك) التملك الذي أصدره لها (جيمس بيلفور) وزير خارجية بريطانيا المحافظ عام 1917م، وتلقفته الولايات المتحدة الأمريكية بـ(الحماية) والرعاية والأموال.. حتى غدت وكأنها (الوكيل الشرعي) عن (إسرائيل).. في حضورها وفي غيابها!!
وفي هذا السياق.. جاءت دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لـ(بريطانيا) خلال كلمته في جلسة الافتتاح وكأنها إلهام: ليس بطلب الاعتذار للفلسطينيين عن ذلك الوعد المشؤوم.. ولكن بطلب (الاعتراف) بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيه من عام 1967م.. لتداوي آثار جريمة وعدها ولو بعد مائة عام!!
* * *
لقد كانت (عثرة) الأمانة العامة للجامعة في هذه القمة - إلى جانب عثرتها في الإعلان عن عدم ترشيح وزراء الخارجية العرب لـ(إسرائيل) لعضوية مجلس الأمن - هي في هذا الحشد الهائل والمتكرر من القضايا على جدول أعمال القمة..!!
فليس معقولاً أن يوضع على أجندة المؤتمر ثلاثين موضوعاً لـ(بحثها) من قبل الزعماء والقادة العرب واتخاذ قرارات بشأنها.. في جلستين!! إذ كان يكفي أمانة الجامعة لهذه القمة تلك القضايا والمواضيع السبع الرئيسية التي أشرت إليها.
* * *
على أي حال.. انتهت قمة (البحر الميت).. بهذا النجاح النسبي، الذي جعلت منه ظروف العالم العربي المتردية وصروفه: (إنجازاً)..!!