د. عبد الله المعيلي
يروى عن مزارع صيني هرب منه حصانه، وحضر جميع جيرانه لما علموا بهروب الحصان، وقالوا له: هذا سيئ جدًا، وقال لهم «ربما»، في اليوم التالي عاد الحصان وجلب معه سبعة من الأحصنة البرية، تجمع الجيران بمنزله مرة أخرى، وقالوا له: هذا شيء رائع، أليس كذلك؟، فقال لهم «ربما»، في اليوم التالي، حاول ابن المزارع ترويض أحد الخيول البرية كي يركبها، لكن الحصان رفض وسقط ابن المزارع من الحصان وكسر ساقه، فتجمع جميع الجيران بالمساء وقالوا له: هذا سيئ جدًا، أليس كذلك؟، رد عليهم المزارع «ربما»، في اليوم التالي، أتى المعني بالتجنيد العسكري الاجباري، للبحث عن أناس لتجنيدهم بالجيش، ورفضوا أخذ ابن المزارع لأن ساقه مكسورة، وأتى الجيران كلهم بالمساء وقالوا للمزارع: أليس هذا رائع؟، وقال لهم: «ربما».
كل صور تقلبات الحياة ومفاجآتها عبارة عن حوادث متماثلة، قد تختلف في درجة حدتها وخطورتها، لكنها تحصل بطرق وأساليب معقدة غامضة، ومن المستحيل أن يتنبأ المرء، ما إذا كان حدوث أي شيء ستكون عواقبه طيبة سعيدة، أو أن عواقبها سيئة محبطة مخيبة للآمال، لأنك لن تدرك هذه الأمور الغيبية، يستحيل معرفتها البتة، فمهما حاولت أن تفسرها وكيف ستكون عواقبها، أهي على المرء حسنة أم سيئة، الله وحده هو الأعلم.
إن الطمأنينة التي بدت على المزارع الصيني، والرضا النفسي بما حصل له، حري بها كل مسلم، وليس كل مسلم يقدر على هذا، أبدًا بل إنها سمة ملازمة للمؤمن الذي يعلم علم اليقين إلا خيرة له، وإنما عليه التسليم والاستسلام لقضاء الله وقدره، فإن رضي فله الرضا، وإن سخط فعله السخط، فلربما تكره شيئًا وفيه الخير لك كل الخير، ولربما تحب شيئًا وفيه شر وضرر، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أن تَكْرَهُواْ شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أن تُحِبُّواْ شيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة الآية 216)، فهل بعد هذه الآية الكريمة يحق للمسلم المؤمن أن يسخط أو يحب، أبدًا عليه أن يصبر وينتظر العواقب التي قد قدرت في علم الغيب عند الله.
وفي الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: (عجبًا لحال المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن إصابته سراء شكر، فكانت خيرًا له وإن إصابته ضراء صبر فكانت خيرًا له).
هذا الفضل العظيم ليس بحق متاح لكل أحد، بل هو ميزة وخاصية اختص بها المؤمن فقط دون غيره فحري به أن يسعد ويشكر الله على كل شيء يحصل له، سواء أكان سراء مبهجة، أم ضراء محزنة.
ومما يتردد على ألسنة الناس مقولة: (الخيرة فيما اختاره الله)، وبالتالي لا تؤول ولا تفسر، ولا تحمل الأمور فوق احتمالها، وتنساق وراء احتمالات تصنعها بنفسك، تبالغ فيها سواء كانت إيجابية أم سلبية، فالأفضل لك والأجدى، التريث والصبر، والإكثار من ترديد «لا حول ولا قوة إلا بالله» بنفس راضية مطمئنة مؤمنة بأن الله وحده هو مقدر الأمور، وهو سبحانه لن يختار لعباده إلا ما فيه صلاح أمرهم، واستقامة حياتهم، وايقاظهم من غفلة، وربما ران سيطر على عقولهم فصرفهم عن الطريق المستقيم، أو تحقق لهم ما يعزز إيمانهم ويزيد من ثباتهم، وفي كلا الأمرين خير.
اللهم ارزقنا الثبات والرضا، في أحوالنا كلها، المفرح منها والمحزن، واجعلنا من الراضين بقضائك وقدرك.