د. محمد عبدالله العوين
لعل من مكتسبات مؤتمر قمة عمان بالأردن الذي اختتم أعماله الأربعاء الماضي ببيان مهذب لطيف مكرر الأفكار والمواقف تلك اللقاءات الجانبية على هامش القمة بين زعامات عربية كبيرة ورؤساء حكومات؛ كذلك اللقاء الذي جمع الرئيس عبدالفتاح السيسي بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- واللقاء الذي تم أيضًا بين خادم الحرمين الشريفين ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي؛ فلا شك أن اللقاء الأول مع رئيس مصر بما اتصف به من مشاعر أخوية طافحة بروح المحبة والتقدير تزيل ما يدور في بعض وسائل الإعلام من كلام كثير عن توتر في العلاقات بين البلدين؛ بينما تحتم الظروف العربية الراهنة الصعبة تجاوز ما يمكن أن يحدث من اختلاف في بعض وجهات النظر حول المواقف من الأزمات التي تمر بها المنطقة العربية؛ وهو ما تجلى في ذلك اللقاء وما نتج عنه من تحديد موعد لزيارة السيسي للرياض هذا الشهر، وزيارة خادم الحرمين الشريفين للقاهرة في موعد يحدد لاحقا.
أما اللقاء الثاني مع العبادي؛ فلا شك أنه استمرار لسعي المملكة لإعادة العراق إلى حضنه العربي الذي بدأته بزيارة معالي وزير الخارجية الأستاذ عادل الجبير لبغداد، والتأكيد على أن المملكة تقف من جميع المكونات العراقية على مسافة واحدة وتدعم وحدة واستقرار العراق ونموه، وأن المملكة والعراق يواجهان آفة الإرهاب ويعملان جميعا على استئصال شأفة الفكر الإرهابي.
مثل هذين اللقاءين اللذين أتيا في سياق الاجتماعات العفوية بين جلسات المؤتمر مكسب إضافي يعادل إن لم يفق أحيانا كثيرا من التوصيات المكررة التي تتخذ دون أن تجد طريقا للتنفيذ الفعلي على صعيد الواقع العربي المأزوم.
وحين نقرأ بيان القمة المكون من خمس عشرة نقطة؛ نجده يركز على قضايا أصبحت لازمة من لوازم كل مؤتمرات القمة في السنوات العشرين الأخيرة؛ كالقضية الفلسطينية التي لم تخط نحو الانفراج خطوة واحدة مع الأسف، وموضوع الإرهاب المتنامي والمتمدد بحيث غدا كالغول ينهش كل بلد عربي وإسلامي، وتجاوزها إلى عواصم العالم، بل أصبح يفرخ ويولد أجيالا إرهابية بمسميات ورؤى أكثر انغلاقا وتعصبا ودموية، وهو ما يوجب أن تتوحد الجهود لمجابهته واجتثاث جذوره، ووقف البيان في نقاط أخرى عند رؤية بعض وسائل الإعلام الغربية للإسلام رؤية منحازة ظالمة قائمة على فهم ناقص لقيم الإسلام الحقة، بما يعرف بمصطلح « الإسلام فوبيا» ويوجب تعديل وإصلاح هذا المفهوم القيام بجهود إعلامية تنويرية وزيارات لمراكز صناعة الرأي العالمية لإيضاح حقيقة المبادئ الإسلامية وقيم الثقافة والحضارة العربية.
وقد تجنب البيان الإشارة إلى إيران من قريب أو بعيد حين تحدث في النقاط الثانية والثالثة والرابعة عن سوريا والعراق واليمن؛ فلم يشر إلى مليشيات إيران وأحزابها الطائفية وحشودها التي يديرها ضباط الحرس الثوري الإيراني وما ترتكبه من جرائم في تلك البلدان العربية الثلاث، واختار البيان أن يشير ضمنا إلى إيران بأسلوب لطيف معبرا عنها بـ «دول الجوار العربي» مبينا أن دول القمة تتطلع إلى إقامة علاقة حسن جوار معها مع رفضها التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية.
والحق أن العرب كانوا يتطلعون إلى صدور بيان ختامي حازم وقوي بخطوات عملية من مؤتمر القمة العربي تواجه تدخلات إيران؛ والاتفاق على إعلان الحرس الثوري الإيراني الذي يقاتل من جنوده وقادته ستون ألفا في سوريا، وآلاف منه في العراق واليمن باسم خبراء ومستشارين! والحشد الشعبي الذي يرتكب مجازر مروعة اعترف بها العبادي نفسه ووعد بمحاسبة مرتكبيها، وعصابة الحوثي التي لا تقل إجراما عن الحشد والحرس الثوري في العراق وسوريا؛ كان المؤمل أن يتم الاتفاق على إعلان الفصائل الثلاث تنظيمات إرهابية وتعامل وفق هذا التصنيف الحازم على المستوى الدولي.
خرج بيان قمة عمان في مجمله هادئا لطيفا وديعا في وقت دموي صعب يستدعي لغة قاسية شجاعة وموقفًا عمليًا أشد حزما وقوة.