د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا في الحلقة الماضية عن معرض الرياض الدولي للكتاب لهذا العام 2017، ومما ذكرنا قلة الإنتاج الجديد،ما عدا بعض الاصدارات، ومن هذه الاصدارات كتاب صغير الحجم كبير الفائدة، بعنوان (علمتني الإعاقة) لمؤلفه سلمان بن ظافر الشهري، ركز المؤلف فيه على شأن الاعاقة البصرية، فالمؤلف من أصحاب إعاقة البصر (كفيف البصر) نافذ البصيرة، وسبحان الذي يعوض شيئا بشيء آخر، وهذا النوع من المؤلفات قليل في عالمنا العربي، لكنه ليس بالمستحيل، وكم من فاقد للبصر أبدع في فنون الحياة المتعددة منذ العصور الأولى، كأبي العلاء المعري وبشار بن برد وحسان بن ثابت -رضي الله عنه-وغيرهم الكثير في الزمن القديم. والإعاقة على نوعين (سلبي وإيجابي) فإما أن تتغلب على صاحبها فتحرمه المشاركة في الحياة العامة، فيصبح عالةً على غيره، وإما إيجابية يتغلب عليها صاحبها فتدفعه إلى الإبداع في شؤون الحياة، فيقوم بمنفعة غيره من الذين لم يشعروا بها من الأسوياء، وفي هذه الحالة يكون المعاق هو السوي وغيره معاق فعلاً، وهذا الكلام الذي أقوله ليس عاطفياً معزياً لمن به إعاقة، لكنه واقع لمسته بنفسي، فأعرف شخصاً قبل الإعاقة كان عادياً، يذهب إلى عمله ويعود كأي موظف آخر، أصيب هذا الشاب، واسمه سعود العواد، وكان عسكرياً في الأمن، أصيب خلال حرب الخليج واعتداء صدام حسين على الكويت بطلق ناري بالخطأ من زميل له في العمود الفقري، وكانا ينظفان سلاحهما، فأصيب بشلل نصفي أقعده عن العمل، لكنه لم يستكين ويستسلم لهذه الإعاقة، بل تزوج وأنجب، وصار لسان حال كل المعاقين في المملكة في كل محفل ودعوى تخص أحوال زملائه من أصحاب الإعاقات المتعددة.
وأعود الآن إلى سلمان الشهري، صاحب الكتاب المذكور، فقد ألف سلمان الشاب الجامعي الذي أكمل دراسته في الجامعة، كغيره من المعاقين بكف البصر، أو ضعاف البصر، ومنهم من عمل معنا في جامعة الملك سعود بكفاءة تفوق غيره. وسأختار من مؤلفات سلمان الشهري كتابه المذكور، الذي وقعه في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، وأهداه إلي، وهو كتاب جميل الإخراج والترتيب صغير الحجم كبير الفائدة، ويعد هذا الكتاب الرابع عشر من إصدارات سلمان الشهري، وهي متعددة المواضيع، اجتماعية وتربوية، وغيرها، وهي: آداب ليلة الدخلة، وعش الزوجية، وقاية العروسين من السحر والحسد والعين، وأخطاء ومخالفات في الحياة الزوجية، وأريد أن أتزوج ولكن!!، وذوو الصعوبات السمعية وكيفية ربطهم بالمجتمع، ودليل ذوي الاحتياجات الخاصة، وإليك أم المعاق.
هذه إشارة لمؤلفات سلمان الشهري، وسنركز الحديث على هذا الكتاب الجديد الذي بين أيدينا الآن لما له من أهمية لا تقلل من قيمة المؤلفات الأخرى. يرى سلمان الشهري أن الإعاقة ليست في البدن ويضرب الأمثال بمن سبقه في هذا المجال من العباقرة والشعراء والفلاسفة، بل يرى أنها حافز للإبداع، وقد أشرت في مقدمة الحديث إلى بعض المبدعين في العالم العربي من القدامى، بل إن طه حسين ممن تغلب على إعاقة العمى، وحقق ما لم يحققه كثير من المبصرين في زمانه.
يركز سلمان الشهري على الإعاقة على أنها أعظم مادة في الحياة يتعلم منها المعاق الكثير من الأمور العجيبة الغربية التي لا يعرفها إلا من جرب الإعاقة وعرفها، وكأنه يردد قول الشاعر:
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يقاسيها.
يؤكد المؤلف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، ويستشهد بقوله تعالى {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} البقرة 156-157، ثم يستشهد بالأحاديث وأقوال العلماء، وسير العلماء والشعراء والباحثين من اصحاب الإعاقة، وكيف أبدعوا وتعدوا حدود الإعاقة.
وللحديث بقية في الحلقة القادمة.