د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
هذه الحلقة الثالثة من وقفات مع كتاب (القرارات المجمعية في الألفاظ والأساليب، من 1934 إلى 1987م) إعداد محمد شوقي أمين وإبراهيم الترزي، نشره مجمع اللغة العربية في القاهرة، عام 1989م.
ص65، ورد عن قولهم (وكانت المنفعة لهم والمستعمرين): «يخطّئ بعض الباحثين مثل هذا الأسلوب ويرون أنّ الصواب أن يقال: (لهم وللمستعمرين) على أساس أنه لا يكثر العطف على الضمير المخفوض إلّا بإعادة الخافض حرفًا كان أو اسمًا نحو قوله تعالى: (فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرضِ...) ونحو (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ ...) وترى اللجنة إجازة التعبير لأن بعض النحاة أجاز العطف بدون إعادة الخافض واستدلوا على ذلك بشواهد من القرآن الكريم والشعر، فمما ورد في القرآن الكريم:
1 - (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ) على قراءة الخفض.
2 - (وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ).
ومما ورد في الشعر:
فاليوم قد بتّ تهجونا وتشتمنا *** فاذهب فما بك والأيامِ من عجب
على أن هذا المثال يخرج على وجه فصيح سائغ وهو أن تكون كلمة المستعمرين مفعولًا معه على حدّ قول الشاعر:
فما لك والتلدُّدَ حول نجد*** وقد غصّت تهامة بالرجال!».
ولست أوافق اللجنة على إجازة العطف من غير إعادة الخافض بحجة أنَّ بعض النحويين أجازوا ذلك اعتمادًا على شواهد قليلة؛ إذ التقعيد إنما ينتزع من الاستعمال الجمعي، ولا يخرمه وجود ما يخالفه من مُثُل قليلة، فاللغة أوسع من قواعدها، فهي مُثُل مقبولة من حيث هي لغة؛ ولكنها لا تغير القاعدة المؤسسة على الكثير المطرد.
وأما زعم اللجنة بخروج المثال على وجه فصيح فغريب جدًّا؛ إذ هو قد يراعي صحة اللفظ؛ ولكنه يعاند الإعراب والمعنى، فعده مفعولًا معه يجعله منصوبًا، ويخرجه من إضافة المنفعة إليه، وهذا خلاف المعنى المراد.
وجاء في ص90 «ترى اللجنة أنه في ضوء قرارات المجمع السابقة في اسم الآلة وفي المولد وفي قبول السماع من المحدثين يمكن تخريج استعمال الواسطة في قول الكتاب (بواسطة كذا) بدل (بوساطة كذا) على أنه بمعنى الوسيلة، ويستأنس لذلك باستعمال (ابن مالك) في قوله:
التابع المقصود بالحكم بلا *** واسطة هو المسمى بدلا
وباستعمال عبدالسلام بن مشيش في قوله: (لولا الواسطة لذهب الموسوط)».
يمكن قبول هذا الاستعمال على أنه مجاز؛ فالمتوسط بين شيئين قد يكون وسيلة لإنجاز غرض من الأغراض، وأما استئناس اللجنة باستعمال ابن مالك فهو ليّ للنص، فاستعمال ابن مالك للفظ جاء بمعناه المعجمي المعروف، فالواسطة هنا ما يكون بين الشيئين فالبدل تابع للمبدل منه من غير أداة بينهما كما يكون بين المعطوف والمعطوف عليه.
ولا يفهم من قول عبدالسلام (ت 622ه) أن الواسطة تعني الوسيلة؛ لأن الموسوط الذاهب هو الشيء الذي جعل وسطًا، فالواسطة هنا اسم فاعل من (وسطَ)، قال تعالى (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) [العاديات5].
جاء في ص100 «اِسْتِعْمالُ كَلِمَة «مَفاعِل» (بقلب الياء همزة كمكايد ومكائد)
ترى اللجنة جواز إلحاق المد الأصلي في صيغة مفاعل بالمد الزائد في صيغة فعائل. وعلى هذا يجوز في عين مفاعل قلبها همزة، سواء أكان أصلها واوًا أو ياء فيقال مكايد ومكائد. ومغاور ومغائر».
ولست مع اللجنة في إلحاقها لاختلاف التغير في النوعين؛ فمكايد جمع مكيدة مثل معايش جمع معيشة، وهما يختلفان عن عجائب جمع عجيبة؛ فمكِيدة أصلها (مَكْيِدَة)، حذفت الياء ومطلت الكسرة، والجمع للأصل (مكْيِدة)، فصار مكايد، وأما (عجيبة) فأصلها عجئبة، والياء ناتجة من مطل الكسرة بعد حذف الهمزة، وأما جمعه فعلى الأصل (عجئبة)، فصار عجائب(1).
... ... ...
(1) وانظر: أبوأوس إبراهيم الشمسان، مداخلات لغوية(1): مسائل لغوية، ص31.