رمضان جريدي العنزي
(الطيطا) نبتة صحراوية حلوة المذاق، لكن رائحتها كريهة ومنفرة، أوراقها دقيقة جداً ومثلمة، وجذورها ليفية، تنمو في تربة رملية وحصوية، يطلق عليها البعض مسمى (العصنصل) والبعض الآخر يطلق عليها مسمى (البصل البري) وهي نبتة ربيعية، في كثير من المرات يحلو لي تشبيه البعض بهذه النبتة، تجده حلو المظهر، رشيق القوام وأنيق، لكنة عندما يتحدث تفوح منه رائحة الكذب، يمارسه على المكشوف، يجيد تماما اللعب على التناقضات والتلون والتبدل وتغيير الجلد وحذلقة اللسان، له تشنجات كلام مندلع من خارطة الرماد الذي يدور في فلكه، له هوس مذاب بحب الذات، له شناعة مبدأ وأخلاق وقيم، وفداحة رؤية شحيحة، هؤلاء الطيطيون نعرفهم من خلال الثقوب التي يرونها بأنفسهم صغيرة، ونراها نحن كبيرة، لقد ذابت الألوان كلها عندهم، حتى أنهم حاولوا أن يبتلعوا الزمان والمكان بأكمله، ويطوونه تحت إبط شعاراتهم المطاطة، بكلامهم الأصفر، وفلسفتهم الفاقعة، وتمنطقهم الأعوج، من أجل البقاء والحضور والمنفعة، إن لهولاء «الطيطيون» أشكال، وسحن، وألوان، وأردية، وكل له دوره وتميزه وحديثه وصراخه ونعيقه، يمارسون ذلك على حساب الحقيقة والصدق والواقع، يتنافسون بقوة لكي يكسبوا السبق والصدارة، هؤلاء الطيطيون يقلبون الحقائق رأساً على عقب بكفاءة عالية، وحرفية ومهنية بالغة، وقدرة مبهرة، ويطمسونها بشغف تام، وموهبة خارقة، أصواتهم شؤم، وحناجرهم مبحوحة، ولهم خدع ودسائس، وممارسات عابثة، يحاولون امتلاك المشهد والحضور، يستميتون في محاولة الظهور والبروز، يحاولون أن يكونوا شيئاً ومعنى وملمساً، رغم شخصيتهم الكرتونية الركيكة في الفعل والعطاء والإنتاج، لديهم خلل منهجي واستلاب ثقافي وتراكمية كبرى من التناقضات والعبث، تناقضاتهم الصارخة أوصلتهم إلى أفعال مغايرة شكلت لديهم مساهمات غير علمية، ومعايير عالية لثقافة «الفشخرة» الباهتة، يحاولون أن يكونوا يونانيين في الفلسفة، ورومانيين في العمارة، وعرب في البيان، ويابانيين في الصناعة، وأتراك في الحرب، وحاتميين في الكرم، ومتنبيين في الشعر، وهتلريين في الهيمنة والسيطرة، وبيكاسيون في المسرح والرواية، وكلثوميين في الغناء، وأديسيون في الاختراع، يحاولون أن يكونوا ألوان الطيف كلها، والبحر والنهر والغرس وتضاريس الأرض، يحاولون إظهار أنفسهم غير التي هي، وأن يضعوا أنفسهم فوق الآخرين، لهم تنوعات متناقضة، وازدواجية في القول والفعل والنهج وامنهج، يحاولون أن يكونوا المنجز والإنجاز، والوصف والأوصاف، والظل والجسد، وتوفيقيات ترقيعية، تركيباتهم التبريرية تتشكل تباعاً، يرعونها ويسقونها بأنفسهم ثم يرتهنون لها، يكفي أن تقلب صفحاتهم الشخصية لتجد الأدلة الصارخة على عكسية تفاخراتهم الذاتية، وتمسكهم الضعيف بخيوط اللعبة التي يحاولون أن يتقنوها، ولكي نضمن سيرورة المجتمع ونقاءه وتألقه وعطاءه، بعيداً عن فلسفتهم المتناقضة، وأغطية الوهم التي يتلحفون بها، على المجتمع الحي أن ينبذ هؤلاء القشوريين، الذين يحاولون خلق العصبيات الجاهلية، فاحترسوا أيها الناس من هؤلاء «الطيطيون» بتمهل وتعقل، ولا يغرنكم الأشكال والهيئات والألفاظ وتنميق الكلام، ولا يغرنكم تلوين الجمل وتحسين المفردات، ومخارج الأصوات، فوراء الأكمة ما وراءها.