سلمان بن محمد العُمري
تداول الناس مؤخراً خبر بيع أحد المستشفيات الخاصة في مزادٍ علني بقرار من الجهات المختصة وتنفيذاً لأحكامٍ صادرة بهذا الشأن. وشغل هذا الخبر حديث بعض المجالس ليس في منطقة البيع بل في مناطق عديدة، والحديث عن أمور البيع والشراء والأخبار الاجتماعية والتجارية وغيرها في المجالس ليست مستغربة وربما كانت هناك مداخلات وآراء حول بعض الأخبار تستوجب التقييد والنظر.
علّق أحد الحضور بأن هذا المركز وغيره من المناشط الأخرى كان بإمكان المسؤولين عن الأوقاف الأهلية أو الأوقاف العامة الاستثمار فيه وفي أمثاله من المشروعات الحيوية، وبالذات لان الجانب الصحي لا يزال يشكو قصوراً من اهتمامات القائمين على الأوقاف والموقوفين على حدٍّ سواء، فلا هم الذين أوقفوا على مشروعات صحية، ولا من يملكون قرار الاستثمار في الأوقاف اتجهوا لهذا الغرض.
وتمنى صاحبنا لو أنّ مؤسسة وقفية حكومية أو أهلية نافست في المزاد وتوجّهت للاستثمار في القطاع الصحي لأن مردودها في هذا العمل سيحقّق فوائد عديدة في عوائد الاستثمار وفي خدمة المجتمع، وليس الأمر أيضاً قاصراً على الاستثمار في الجانب الصحي وحبّذا لو كان في مجالات أخرى كالاستثمار الصناعي والاستثمار في التعليم عبر فتح جامعات أو كليات أهلية.
إنّ مما نتمنّاه من هيئة الأوقاف الجديدة أن تفتح آفاقاً جديدة في الأوقاف والقواعد المتعلقة بإداراتها واستغلالها وتحصيل غلاتها وصرفها بما لا يخل بشروط الواقفين وأحكام الشرع ووضع خطة عامة لاستثمار وتنمية الأوقاف ودراسة المشروعات الوقفية الحالية ومدى خدمتها للمجتمع، والنظر في طلبات استبدال الأوقاف الخيرية وفق مقتضيات المصلحة، وأن تكون مجالس الأوقاف العليا وفي كل منطقة تضم أناساً ممّن لهم خبرة في مجال إدارة الأعمال والاقتصاد والاستثمار والاستعانة بالخبراء والمستشارين بصفة دائمة أو مؤقتة.
ولقد سبق أن تناولت في كتاب علمي محكّم أصدرته منذ مدّة بعنوان: «ثقافة الوقف في المجتمع السعودي بين التقليد ومتطلّبات العصر.. رؤية من منظور اجتماعي شرعي». وقلت إنّ هناك ضعفا في دور الأوقاف الإسلامية الحديثة في مجال الخدمات المكلفة مادياً وهناك من المرضى ممّن لا يستطيعون دفع مصاريف علاجهم، كما أنّ الصحة العامة وصحة المواطن هي أغلى ما تملكه المجتمعات وهي ثروة يجب المحافظة عليها، والسابقون الأولون من المسلمين في العصور الماضية للأسف أدركوا هذا الأمر وهناك من أوقف أوقافاً على مصحّات ودور للعلاج.
وفي العصر الحديث وفي مجتمعات أخرى هناك مؤسسات وقفية جعلت من الاستثمار الصحّي أحد مجالات تنمية إيراداتها ومنها على سبيل المثال مؤسسة ويلكوم البريطانية الوقفية Wellcome التي أسّسها قبل مائة عام هنري ويلكوم، فهذه المؤسسة لها تجربة احترافية في خدمة القطاع الصحي وليست كمؤسسة مانحة للمال إنّما كمستثمر في سوق القطاع الصحي ولا يمنع المزاوجة بين الاستثمار وتوفير نسبة من الخدمات الصحية المجانية، وإن كان الإسهام في الاستثمار الصحي جزء من خدمة المجتمع من بابٍ شريف وعملٍ نبيل.