د. خيرية السقاف
أن تعمل وأنت صامت لا تثرثر، يعني أنك تعمل وأنت تفكر إما فيما تعمل، أو أن يمرق ذهنك قليلاً ويعود، وفي الحالتين عملك هو المستفيد من صمتك..
الخروج عن موضوع العمل أو موضعه، تبديد لطاقة البذل فيه، والإتقان له..
مع أن الإنسان جُبل على منح الحرية لجوارحه، فتجد عينيه تجوبان فيما حوله، وأذنيه تلتقطان ما يدار بجواره، وذهنه يُشغل بما يحيطه،...
والمرء لا يتواني عن التعليق على ما يرى، أو مشاركة ما يسمع، بل ترْك ما بين اليدين من العمل، والزج بالنفس في الموقف الذي لا يعنيه، ولا شأن له فيه..
حتى من يعمل في منأى، أو مغلق بابه، فإن ثمة هاتف على منضدته، أو بين يديه، أو صحيفة، أو كوب شاي، وقهوة، بل هناك من يجعل مكتبه متاحًا «لهدر الوقت» فتجد منضدته آهلة بأطباق التمر، والكعك، والحلوى، ويا مرحبًا حيا الله من جاء!!..
لكن، قيم العمل، ومتطلبات إتقانه، وموجبات الإخلاص له، تُفْرض أن تخلو مواقعه من الصحف، وأجهزة الاتصال الشخصي، وتقنن النتائج للعمل المفروض في وقته، وتمنع الوقفات المعترضة عند الأبواب، وبعد الاجتماعات، وفي الردهات، كما تمنع موجبات الضيافة، ولا تسمح بتناول طعم، أو احتساء شُربٍ غير الماء إلا في ساعة محددة تفصل بين ساعات العمل المتصلة، بوجبة واحدة خلال يوم العمل، وتضع القوانين، وترسم الضوابط لكبح الطبائع البشرية التي لم تدرب، أو التي لم تكتسب في تنشئتها معرفة حدود ما على المرء من سلوك يتفق مع الوقت، ومضمونه، فللعمل حرمته، ومطالبه من الإنتاج، ومن الاتقان، ولا يتحقق أي منهما في ظل فرط الوقت في فرط اللسان، والعين، والأذن، بل الأفواه...!!
فالتعود على العمل بجدية، وصمت، وتركيز الذهن في منتج وحصيلة اليوم من الأداء داخل دائرته بلا ريب ستحقق نقلة نوعية مهمة في مستوى فاعلية المرء، ومنجزه اليومي، وبلا شك سيكون مُنتجه في النهاية في صالح الإنجاز..
هناك هدر في الوقت في أي مكان يعمل فيه الناس الذين لم يألفوا تمكين أنفسهم من قيم العمل وفق ضوابط وقته، ومفردات خططه، يثرثرون كثيرًا، ويتحركون في كل مكان، ويصغون لكل دبيب، ويندسون في أي زحام، ويروحون عن أنفسهم بما لذ وطاب..!!
ناهيك عن المتسربين عن أعمالهم، أو المتآخرين عن مواعيد دوامهم..!!
وبإحصائية كم من التسويف، والتأخير، والتعطيل داخل مواقع العمل في المؤسسات المختلفة الذي يحدث نتيجة عدم الإيفاء بما على الموظف/ة من عمل مهما علا في سقف المسؤولية والقيادة، ونحوها، أو تواضع في المهمة، والدور فلسوف تكون النتائج صادمة..
فالواقع يقول: تتعطل معاملات ذات محدودية في الوقت، ويموت مرضى على شفا عجلة، وتفوت فرص توظيف، أو قبول في مدرسة، أو جامعة، أو..أو، وترهق أقدام تراجع، وتفنى نقود ميسورين يستأجرون المواصلات للتردد على مواقع أعمال لهم فيها حاجة...،
والحالات كثيرة، والتجارب زاخرة..!!