أ.د.عثمان بن صالح العامر
في الرأسمالية الأساس الفردية البحتة، ومن رحم المعاناة ولدت الماركسية على النقيض تماماً من ذلك، إذ لا اعتبار فيها لمصلحة الفرد مطلقاً بل هي جاءت من أجل الانتصار للجماهير الشعبية الفقيرة، وخلاف هذين المذهبين قعّد الإسلام الاعتراف المطلق بالمصلحتين معاً «المصلحة الفردية الخاصة» و»المصلحة الجماعية العامة»، وفي حال تعارضا تقدم المصلحة العامة على الخاصة كما نص على ذلك الفقهاء المختصين والعلماء الربانيين. ومن هذا الباب دعا الشرع الحنيف إلى تعدد الزوجات عند انتفاء الخوف من عدم القدرة على العدل، وذلك تقديماً منه لمصلحة مجموع الناس على مصلحة امرأة واحدة، فضلاً عن أن في التعدد تنال مصلحة الرجل الراغب القادر الوفاء بمتطلبات الحياة الزوجية على الوجه الصحيح.
هذا هو الأصل وتلك هي الحكمة المستوحاة من التشريع، ومع أن تعدد الزوجات من الدين الذي جاء النص به صراحة في القرآن الكريم إلا أنه صار ميداناً للتسويق الرخيص من قبل بعض الجمعيات والأشخاص تحت ستار المصلحة المتوخاة من هذه المبادرة أو ذلك المشروع الخيري الهادف إلى تيسير الزواج ولعل آخرها ما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي من أن هناك مشروعاً واعداً للشاب ما بين 25-35 وليس بمتزوج أن يزوج ثلاث نساء في غضون شهر بشرط أنهن جميعاً مطلقات أو أرامل، بعد أن يخضع الزوج المتقدم لخوض هذه التجربة لاختبارات معينة ويلتحق بدورات متخصصة وينافس على هذا الهدف، وهذا المشروع وإن أحسن الظن في مطلقيه إلا أنه يسطح الأمور ويضعف من قدسية العش الزوجي الذي يرتكز على عقد ميثاق غليظ ناتج عن التراضي والتوافق ومبني على الرحمة والمودة لا المصلحة والمنافعة التي قد تزول متى ما ضعف العائد أو انتفت المصلحة لسبب أو لآخر.
نعم شيء جميل أن نعيش عالم المبادرات وأن نسهل أمر الزواج في طريق الشباب وأن نفكر جدياً في حل مشكلة العنوسة وأن نولي اهتماماً كبيراً بشأن العوانس والمطلقات والأرامل ولكن ليس بهذه الطريقة الغريبة التي تفقد مشروع الزواج هدفه الأسمى وتحقق السعادة لطرفيه، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.