اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
الدّرس الأول
قلت كثيراً، وأؤكد اليوم، بل سأظل أردّد ما حييت، إنه يصعب كثيراً على المرء، إن لم يكن يستحيل، أن يكتب عن قائد فذ شامل، وبطل همام، ورجل كبير القدر، عالي المقام، كوالد الجميع، خادم الحرمين الشَّريفين، سيّدي الوالد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدّد على طريق الخير خطاه. فقد تابعت بمزيد من الاهتمام والفخر والاعتزاز، رحلته الملكية المباركة إلى الشرق الأقصى، التي شملت: ماليزيا، إندونيسيا، سلطنة بروناي دار السلام، اليابان والصين؛ منذ لحظة إقلاع الطائرة الملكية، مساء السبت 28-5-1438هـ، الموافق 25-2-2017م، بعد أسبوع حافل بالنشاط والعمل الدءوب، استقبل خلاله مقامه السَّامي الكريم، رجب طيب أردوغان رئيس تركيا، بافلبولوس رئيس اليونان، الذي قلَّده أرفع وسام في اليونان، محمد عبدالله فرماجو رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية، أنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة وجون ماكين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي.. أقول: تابعت الرحلة الملكية المباركة، منذ لحظة انطلاقتها الأولى حتى عودتها إلى أرض الوطن سالمة غانمة ظافرة -بحول الله وحفظه وتوفيقه-، مساء السبت أيضاً 19-6-1438هـ، الموافق 18-3-2017م.
وربما كان الدّرس الأول الذي ينبغي علينا جميعاً تعلُّمه من قائدنا الهمام سلمان، في توقيت انطلاق الرحلة وعودتها، يتمثل في احترام الوقت الذي يعد أغلى ثروة على الإطلاق يمتلكها الإنسان، بعد الإيمان بالله ثم الصحة والعافية؛ فقد تعلمنا من سيرة معلم البشرية وهاديها إلى الصراط المستقيم، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، أن الصحة والفراغ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.
فتأملوا حكمة اختيار مقامه السَّامي الكريم ليوم السبت في مغادرته وعودته، لأنه يوم عطلة؛ فلا يريد أن ينقطع عن عمله، وبالمقابل يكره أن يشغل مضيفه عن عمله أيضاً باستقبال مقامه السَّامي الكريم. يضاف إلى هذا، أننا تابعناه وقد أنجز المهمة في سلطنة بروناي دار السلام، خلال خمس ساعات فقط؛ وهو وقت قصير قد لا يكفي أحدنا للتسوق؛ إلا أن سلمان البطل الشَّامل الهمام، يدرك جيِّداً قيمة الوقت، فيزور فيه دولة ويتباحث مع قادتها في عدة ملفات مهمة، ويتقلَّد فيه أسمى الأوسمة.
وكذلك الحال يقال في توقيت عودته الميمونة، فقد رأيناه في اليوم التالي يباشر عمله، ثم يترأس جلسة مجلس الوزراء في موعدها كالمعتاد؛ بعد رحلة مضنية، استمرت ثلاثة أسابيع متواصلة بالتمام والكمال؛ زار فيها مليكنا المفدى خمس دول، استغرقت (34) ساعة تحليق في الجو، قطع فيها (15403) أميال، فضلاً عن المسافات الأرضية الشَّاسعة من المطارات إلى حيث مقر إقامته في هذا البلد أو ذاك وتجواله داخله؛ وشهد فيها (25) لقاءً مع رؤساء تلك الدول وكبار مسؤوليها في مختلف المجالات؛ إضافة إلى لقاءات جانبية مع الشخصيات الإسلامية البارزة وممثلي مختلف الديانات، ولقاء أبنائه المبتعثين هناك؛ كما ألقى أثناء تلك الرحلة المباركة عشرين خطاباً.
وقطعاً، لم يكن لقائد كبير مثل والدنا سلمان، يضطلع بمسؤولية الأمتين العربية والإسلامية، ويدرك جيّداً مسؤولية بلاده في حفظ استقرار العالم وضمان أمنه والسعي لخير البشرية انطلاقاً من رسالتها الأصيلة السَّامية العظيمة.. هذا الدور المحوري في رسالة بلادنا الذي أكده الأمين العام للأمم المتحدة الجديد أنطونيو غوتيريس، في زيارته الأولى للمملكة يوم الأحد 15-5-1438هـ، الموافق 12-2-2017م، إذ قال بالحرف: (تعد المملكة دعامة أساسية للتقارب في المنطقة، وأثق في قوتها وقدرتها للاضطلاع بدور رائد في العالم حالياً، وأثمّن عالياً تعاونها الكبير مع الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وتمكين الأمم المتحدة وتعزيز قدراتها، للقيام بدور متزايد في دعم الدول الأعضاء لتطوير الأدوات اللازمة لمكافحة الإرهاب بشكل فعّال، ومكافحة أشكال التطرف والعنف التي تغذي الإرهاب في العالم).. أقول: لم يكن لقائد مثله أن يجهل أهمية الوقت، ويركن للراحة، حتى إن كانت حقاً أصيلاً لجسده عليه.
من جهة أخرى، كان تركيز قائدنا الشَّامل الهمام، سلمان الحزم والعزم والحكمة والحسم والرأي السَّديد، على تلك الدول، سعياً لترسيخ علاقاتنا الإستراتيجية معها، لما تمثله من أهمية لبلادنا التي تعد أهم جسر بين الشرق والغرب وملتقى الحضارات منذ القدم؛ فضلاً عن أنها حاضنة أول بيت وُضِعَ للناس، ومهبط الوحي، وحامية الحرمين الشَّريفين، وخادمة ضيوف الرَّحمن.
فماليزيا دولة رائدة في التقنية والتعليم والإدارة والصناعة والسياحة، وتربطنا بها علاقات وثيقة في مجالات التجارة والاستثمار والأمن والاستخبارات والدفاع، إلى جانب أكثر من (1500) طالب من أبنائنا المبتعثين الذين يتلقون تعليمهم في جامعاتها الرائدة؛ يضاف إلى هذا دورها المشرّف في وقوفها الصادق إلى جانبنا في محاربة الإرهاب، والاهتمام بالأقليات الإسلامية والدفاع عن حقوق الشَّعب الفلسطيني ومناصرة قضيته بصدق وإخلاص، لا مزايدة فيهما كما تفعل إيران.
أما إندونيسيا، فتمثل أضخم تجمع إسلامي في بلد واحد في العالم، إضافة إلى أنها أكبر اقتصاد في مجموعة (الآسيان)، وأحد أكبر عشرين اقتصاداً، ورابع دولة في العالم من حيث عدد السُّكان (250 مليون نسمة). في حين أن سلطنة بروناي دار السلام، تمثل جزءاً أساسياً من رسالتنا في خدمة الإسلام والمسلمين، والوقوف إلى جانبهم بكل ما نستطيع من قوة وقدرة وسعة حيلة؛ بل نسعد بهذا أيَّما سعادة.
واليابان التي ينعتها النَّاس هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي بـ(كوكب اليابان)، وهم قطعاً على حق، دلالة على تميزها وتفردها وتقدمها في كل شيء، فتعد الشَّريك التجاري الثاني لبلادنا بعد الصين؛ كما أننا أكبر ممول لها بالبترول، ناهيك عن علاقاتنا الوطيدة معها في مختلف المجالات. أما الصين، وما أدراك ما الصين.. هذا المارد الأصفر الجموح، فالكل يدرك أنها أسرع دولة في العالم من حيث معدل النمو الاقتصادي، وأكبر دولة مصدرة في العالم، وتمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد أمريكا، وتحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث حجم الإنفاق على الأبحاث العلمية والتنمية، كما أنها تشكل أفضل نموذج في العالم للتعايش السَّلمي بين الديانات والثقافات والأعراق، مع أنها تعج بـ(56) قومية، بينها نحو مائة مليون مسلم، يؤدون عباداتهم في خشوع واطمئنان في أكثر من ثلاثين ألف جامع ومسجد؛ وغني عن القول إنها أكبر دولة في قارتنا مساحة واقتصاداً وسكاناً، بل أكبر دولة في العالم من حيث عدد السُّكان، كما هو معلوم للجميع بالضرورة؛ إضافة لاشتراكنا مع تلك الدول في كثير من المنظمات الإقليمية والعالمية.
دلالات مهمة
وصحيح، كان هدف الزيارة ترسيخ العلاقات مع تلك الدول في مختلف المجالات: السياسية، الاقتصادية، الأمنية، العسكرية، الإستراتيجية وغيرها. ولهذا حفلت بالعديد من الإنجازات، تمثلت في توقيع (27) اتفاقية تعاون في الصناعة، التجارة، الصحة، التعليم، الثقافة، الرياضة، السياحة، الطاقة، التعدين، الأمن، الدفاع والاستخبارات، الأبحاث والدراسات الخاصة بها، العمل والموارد البشرية، الزراعة... إلخ. إلاَّ أن أبرز الملفات التي كانت حاضرة بقوة في جميع رحلات مليكنا المفدى، حفظه الله ورعاه، تمثّلت في مناقشة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، لاسيّما قضية فلسطين، التي تتصدر جدول أعمالنا دائماً في علاقاتنا الدولية منذ عهد التأسيس؛ وستظل كذلك -إن شاء الله- إلى نهاية الاحتلال وعودة الحق لأصحابه؛ إضافة إلى محاربة الإرهاب، سباق التسلح، صدام الحضارات والثقافات، سعياً لإحلال الأمن والسلام في المنطقة وضمان استقرارها، وبالتالي المساهمة في إحلال الأمن والسلام في العالم أجمع.
فهذا هو جوهر رسالتنا التي تدعو لحرية الاعتقاد ونشر السلام وبسط الأمن وترسيخ مفهوم الأخوة الإنسانية والتعايش السّلمي بين الشّعوب والسّعي لخير البشرية. تشهد لنا بذلك إنجازاتنا التي تسبق أقوالنا، فنحن أول من حثَّ العالم على إنشاء مركز عالمي لمكافحة الإرهاب، وتبرعنا له بسخاء منقطع النظير، ومنحت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بلادنا ممثلة في ولي عهدنا الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، ميدالية جورج تينت، اعترافاً بدورنا الرائد في تخليص العالم من شر الإرهاب والإرهابيين؛ وأنشأنا مركزاً عالمياً آخر للإغاثة على حسابنا، دون أن نطلب العون من أحد غير الله الواحد الأحد؛ وثالثاً للسّلام في المحطة الأولى من رحلة قائدنا سلمان هذه إلى الشرق؛ وأسّسنا مركزاً رابعاً للحوار بين أتباع الأديان والحضارات؛ وخامساً لمناصحة المتطرفين وإعادة تأهيلهم، بشهادة (114) من نزلائه الذين حازوا درجة البكالوريوس في مختلف التخصصات من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض هذا العام؛ وسادساً للاعتدال ومحاربة التّطرف والعنصرية في جدة؛ يعنى بترسيخ وعي المجتمع تجاه الأفكار الضَّارة بكيانه واستقراره كالإرهاب والتَّطرف والغلو. كما يهتم بتعزيز قيم الاعتدال وروح الانتماء للأمّة والوطن وقبيلة الإنسانية. فضلاً عن منظمة (يداً بيد- HAND BY HAND) التطوعية، التي تنشط في مجال عمل الخير والبذل والعطاء لكل الناس من جميع الأديان والأعراق والأجناس في العالم.. فلا يزايدنّ أحد علينا. فمن ينافس دولة الخير في السّباق إلى الخيرات؟ فالحكم عند قادتنا الأماجد، رسالة وتكليف لتحقيق خير النَّاس، وليس جبروتاً أو تحكماً في الأرزاق والمصير. وبالطبع، ما كان لقضايا مهمة مثل تلك أن تغيب عن ذهن قائد فذ وبطل همام مثل سلمان في علاقاته مع زعماء العالم.
وصحيح أيضاً أن الصحافة والإعلام تناولا أحداث تلك الجولة الميمونة بالتفصيل يوماً بعد آخر؛ لاسيَّما في البلدان التي شملتها الجولة الملكية، إذ كانت كل وسائل الإعلام تقطع بثها لمتابعة أحداثها لحظة بلحظة. ولهذا اكتفيت هنا بالإجمال لأركز على بعض الدلالات التي أرى أنها غاية في الأهمية:
أولاً: هذا الاحتفاء الرَّسمي والشَّعبي المهيب، الذي لم أعرف له نظيراً في استقبال زائر غير سلمان. إذ خرج النَّاس بالآلاف، واكتظت الشَّوارع بالمواطنين من كل الأعمار، مع هطول الأمطار المستمر، وهم يلوحون للضيف الكبير سلمان الخير والحزم والعزم والحكمة والرأي السَّديد، بالخفَّاق الأخضر والهتاف والنَّشيد والتصفيق الحار، والفرحة ترتسم على وجوههم المحبة البريئة؛ إضافة لهذا الاحتفاء الكبير الذي لم يسبق له مثيل من رؤساء تلك الدول وكبار مسؤوليها الذين لم يخفوا سعادتهم بحلول ضيفهم الكبير بين ظهرانيهم؛ فظلَّلوه بنفسهم من المطر، ومنحوه شهادات الدكتوراه الفخرية وأثمن الجوائز الفريدة المتميزة في خدمة الإسلام والأمَّة، وقلدوه أرفع الأوسمة، تقديراً لمقامه السَّامي الكريم، وعرفاناً وامتناناً بخدمته للإسلام والمسلمين والسَّعي لخير البشرية وأمن العالم وسلامه؛ وتأكيداً على مكانة بلاده وحبهم الصادق لها وتطلعهم لخدمتها والتعاون معها في سبيل الخير.
ويكافئهم سلمان.. ومن أوفى من رجل هو أوفى من الوفاء، فيغرس أشجار الخير والنماء بيده الكريمة في حدائق قصورهم الرئاسية، ويشرّف مجالسهم النّيابية، ويزور مساجدهم الأثرية، ويقدم لهم أنفس الهدايا وأعظمها وأثمنها، ثم يؤكد للإندونيسيين بكل صدق وإخلاص: (إندونيسيا بلدي الثاني). ويدرك كل من شاهد مليك الوفاء سلمان وهو يؤكد أثناء ندوة تاريخ الملك فهد، طيّب الله ثراه التي أقيمت في الرياض مؤخراً: (الملك فهد والدي الثاني)، وهو يذرف الدمع السّخي على رحيله في ذكراه، يدرك كل من شاهد ذلك الموقف المهيب، مكانة العالمين العربي والإسلامي في نفس سلمان. ثم يبعث لهم ببرقيات الوفاء كلّما غادر أرضهم، مخاطباً إياهم بـ(الأشقاء، مؤكداً أخوته لهم): (أعرب لفخامتكم عن جزيل شكري وفائق تقديري على ما حظينا به في بلادكم الشّقيقة من حفاوة استقبال وكرم ضيافة، مؤكداً لكم سعادتي الكبيرة في وجودي بينكم.. أخوكم خادم الحرمين الشّريفين سلمان بن عبدالعزيز).. فللَّه درك يا سلمان من إنسان عظيم الشأن!
ثانياً: كانت تلك الرحلة الملكية المباركة، بمثابة جيش كامل العدَّة والعتاد، يتواجد في الخطوط الأمامية مع قواتنا الباسلة التي تقود التحالف في دعم الشّرعية في اليمن الشَّقيق، لما مثّلته من قطع للطريق أمام المد الصّفوي الذي بدأ يتغلغل، خاصة في ماليزيا وإندونيسيا، لنشر سمومه وبث الفوضى وخلخلة تلك المجتمعات المسالمة عن طريق الترويج للطّائفية البغيضة والمذهبية المقيتة، بهدف تفريق صف الأمّة، وبالتالي تنفيذ أجندته في الاستيلاء على مقدراتها والتحكم في مصيرها. وقد أكد قائدنا سلمان هذا المفهوم في تغريدته الموجزة البليغة التي لخصت كل الرحلة، كعاته دائماً في البلاغة والإيجاز، إثر وصوله أرض الوطن: (وطننا رمز شامخ بجذوره الإسلامية والعربية ومكانته الدولية، ونتطلع مع الأشقاء والأصدقاء إلى تحالفات أقوى لمواصلة مسيرة الاستقرار والنماء).
ثالثاً: أكدت الرحلة الملكية الميمونة، مكانة بلادنا السياسة والاقتصادية في العالم، وأهمية موقعها الإستراتيجي، وحزم قيادتها وعزمها وصدقها في علاقاتها الدولية، وسعيها للخير، وقوة تأثيرها على مسرح العالم شرقه وغربه، واستحالت تجاوزها في حل أية قضية تخص المنطقة أو تسويتها؛ لاسيّما أنها تزامنت مع زيارة مماثلة لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي ولي العهد، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدِّفاع إلى أمريكا، وما حظي به من استقبال استثنائي من الرئيس دونالد ترامب وإدارته، وما حققته الزيارة من نجاح في الاتفاق على توصيف الخطر الإيراني الذي يغذي التَّطرف والإرهاب في العالم، وضرورة التّصدي له بكل حزم وعزم وقوة.
رابعاً: التقى الملك سلمان، إلى جانب زعماء تلك الدول وكبار مسؤوليها، كما تقدّم، الشخصيات الإسلامية البارزة جنباً إلى جنب مع ممثلي مختلف الدّيانات والثّقافات، وصافحهم بحرارة شاداً على أيديهم، موصياً الجميع بضرورة الحوار واحترام معتقدات الآخرين والعمل الجاد على تكريس ثقافة التعايش السّلمي؛ بخلاف نفاق الغرب الذي أكدته مارين لوبن، مرشحة اليمين المتطرف لانتخابات الرئاسية الفرنسية، التي رفضت غطاء رأسها، حسب البروتوكول المتّبع للقاء مفتي لبنان الشّيخ عبداللطيف دريان؛ مع أنها هي نفسها، أكثر المنادين في بلادها خاصة وفي الغرب عامة، بضرورة نزع حجاب المسلمات، حتى الصغيرات طالبات المرحلة الابتدائية.. والحقيقة، لا أملك هنا إلا أن أتساءل مع أحمد شوقي، أمير الشعراء وشاعر النيل الخالد، في سينيته الشّهيرة، تاركاً الإجابة لمارين هذه ومؤيديها من أعداء نظرية المؤامرة، الذين يصفقون مع كل ناعق:
أحرام على بلابله الدوح
حلال للطير من كل جنس؟
خامساً: أكدت الرحلة الملكية، ما أثبته في صدر مقالي هذا من صعوبة، بل قل استحالت قدرة أحدنا، مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة والقدرة على التحليل والتعليل، أن يكتب عن قائدنا سلمان فيوفيه حقّه علينا. وأستدل هنا بثلاث صور فقط من صور الوفاء العديدة التي حفلت بها جولة هذا الرمز الكبير الفريد النّادر، الذي حيّر الوفاء وأدهشه؛ فلم أجد له وصفاً غير (أوفى من الوفاء). وأود هنا أن أستأذن أخي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، فأكرر رجاءه لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة للاحتفاظ بـ(حقوقه الفكرية) في مقولته المتميزة (التّفرد السعودي).. وهي حقيقة لا مراء فيها؛ لأناشد الجميع الاحتفاظ بـ(حقوقي الفكرية) أيضاً في وصف قائدنا الشّامل الهمام سلمان بـ(أوفى من الوفاء).. وهو حق أعتز به، ولا أتنازل عنه؛ مثلما نحتفظ دائماً لسلطان الخير، طيّب الله ثراه بوصف سلمان بـ(سمو الوفاء، ووفاء السّمو).
أما الصور الثلاث التي أود الاستدلال بها على أصالة وفاء سلمان هذه المرة، وإن كنّا نحتفظ له بآلاف صور الوفاء، إن لم يكن الملايين، فزيارته لأحد مرافقيه في المستشفى إثر تعرضه لإصابة عرضية وممازحته له، مع ازدحام جدول أعماله. والصورة الثانية الأبهى والأزهى التي حيّرت الوفاء فعلاً، فانحناءه، وهو الملك وأعلى سلطة في الدولة، لتقبيل يد أخيه الأكبر الأمير بندر بن عبدالعزيز آل سعود، الذي استقبله في المطار عند عودته لأرض الوطن؛ في خطوة من الأمير بندر، متَّعه الله بالصحة والعافية، لا أجد لها مثيلاً غير وفاء سلمان؛ فمع تقدّم سنّه وحالته الصحية، إلا أنه أصر على استقبال أخيه ملك الوفاء.. في صورة نادرة، أعادت للأذهان وفاء سلمان لأخيه الأكبر الأمير بندر يوم رحيل تركي الخير، طيّب الله ثراه. والصورة الثالثة: لم يكد سلمان يضع حقائبه، حتى دلف يزور شقيقه الأمير عبدالرحمن للسلام عليه والاطمئنان على صحته.
والله خير الماكرين:
أذكر أنني كتبت مقالاً أكدت فيه أن (بلادنا.. قِبْلَة الدُّنيا)، بهذا العنوان، بمناسبة جولة قائدنا سلمان في بلاد الشرق أيضاً، يوم كان وليّاً للعهد، نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، وزيراً للدّفاع، شملت: باكستان، أرض الشَّمس المشرقة، الهند وجمهورية المالديف. نشر بجريدة الجزيرة، السبت 7-5-1435هـ، الموافق 8-3-2014 م، العدد 15136، ص28.. تلك الجولة المباركة التي حظيت أيضاً بترحيب منقطع النّظير، قامت فيه آسيا لمقامه السّامي الكريم، مثلما فعلت اليوم، وفعل الخليج في تلك الزيارة الاستثنائية، كعادة سلمان كلّما حل ضيفاً هنا أو هناك.
استعرضت في ذلك المقال مجموعة كلمات لسفراء أهم دول العالم لدينا: أمريكا، بريطانيا، إيطاليا، اليابان، الصين، أسبانيا، كوريا الجنوبية، الهند، كندا... إلخ. وكلهم يؤكد أن بلادنا دولة رائدة في السّياسة والاقتصاد، مسؤولة عن الأمن والاستقرار في المنطقة العربية والشّرق الأوسط، ولها باع طويل في محاربة الإرهاب والعنف والتطرف في العالم؛ فضلاً عمّا تقدمه للعالم من دعم ومساعدة. ولهذا كان كل سفير يجتهد ليؤكد أن بلاده الصديق الأول لبلادنا.
وعليه، ليس مستغرباً أن يتربص المتآمرون الحاقدون المأجورون، الذين لا يعرفون شيئاً من أعمال الرجال غير القتل والخراب والدمار، ببلادنا العزيزة الغالية، يد الخير الطولى في العالم وبقياداتها الأشاوس، الذين إذا قالوا أو فعلوا، عمل الكل لقولهم أو فعلهم ألف حساب؛ لأنهم إذا قالوا صدقوا، وإذا فعلوا أنجزوا.. فإن عاهدوا أوفوا، وإن أعطوا أغنوا، وإن ضربوا أوجعوا. أقول: ليس مستغرباً أن يتربص القاعدون بقادتنا، فيتسلل سبعة منهم متأبطين الشّر ظنّاً منهم أنهم سوف ينالون من قائدنا الهمام سلمان أثناء زيارته لماليزيا، فسلّمه الله من شرّهم، وحرسته عينه التي لا تنام. فوقع الأشرار في قبضة الأمن الماليزي في آخر لحظة من الاستعداد لتنفيذ غدرهم وخيانتهم لقائد الأمة، فأودعوا السّجن للتحقيق والاستجواب والعقاب.
والحقيقة، لا يفوتني هنا أن أشيد بهذا الحس الأمني المتقدم للأشقاء الماليزيين ولاستخباراتهم ولجيشهم الباسل، شاكراً ومقدراً لهم اهتمامهم بتوفير الأمن والحماية، بعد الله، لزعيم الأمة القائد الكبير سلمان، الذي أوقف حياته المباركة كلها للمنافحة عن عقيدته وخدمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، والمساهمة مع الآخرين في تحقيق أمن العالم واستقراره ورخائه، كما أكد الشّاعر على بن عبدالله المفضي، في قصيدته الرائعة في وصف سلمان، التي نشرت بجريدة الجزيرة، الجمعة 4-6-1438هـ، الموافق 3-3-2017م، العدد 16227، ص31، إذ يقول:
للمسلمين وللعرب بيت واطناب
عونٍ لهم وقت الرخا والمصيبة
وبعد
الحمد لله الذي جعل لنا وطناً ليس كمثله وطن في الدنيا، وجعل بيته عندنا، وبعث منّا آخر رسله للعالمين، وأنزل آخر كتبه للنّاس كافة بلغتنا، وائتمننا على حماية بيته ومثوى رسوله، وشرّفنا بخدمة ضيوفه والمشاعر المقدّسة لكل قاصديها من كل فجٍّ عميق. وجعل فينا قيادة رشيدة حكيمة مخلصة وفية مقدامة، نذرت نفسها لخدمة رسالة بلادنا للعالمين، فكانت عند حسن ظن النّاس أجمعين، وستبقى كذلك إلى الأبد -إن شاء الله-، تقود مسيرة الخير القاصدة بالعلم والحكمة والحلم والشجاعة والرأي السّديد والعمل الدءوب، حتى إن اضطرها الأمر للسفر إلى أقصى الدنيا شرقاً وغرباً.
أما خفافيش الظّلام الجبناء، الذين ارتضوا لنفسهم أن يكونوا أداة رخيصة في يد الصفويين الحاقدين، فأحذرهم بصوت الشّاعر علي بن عبدالله المفضي، في قصيدته التي أشرت إليها آنفاً، حتى من مجرد التّفكير في مثل تلك الأعمال الشّريرة التي لا تليق بالرجال الأسوياء. وعلى كل حال، إن حدثتهم نفسهم مجدداً هم أو غيرهم من البغاة، وأرجو ألا يحدث هذا، فليتأملوا ما ينتظرهم.. ولهم أن يختاروا لنفسهم ما يليق بها، إذ يقوا الشّاعر علي المفضي في وصف زعيم الأمة سلمان الضرغام، ليث الغلايب:
عاهل عظيم وللوطن درع وحجاب
خادم بيوت الله مكة وطيبة
سقم العدا لاحل بالجو ضبضاب
سيفه شطير ولا يداوى صويبه
الى سطى يخافه اللي بالاصلاب
ومن واجهه يبشر بنارٍ تذيبه
سلمٍ لمن سالم وطيبٍ لمن طاب
ويبشر بعزه من نهض ينتخي به
وأخيراً: أدعو الجميع مع أخي الأمير خالد الفيصل، أن يردّد بكل فخر واعتزاز: ارفع رأسك.. أنت سعودي. فاللّهم احفظ لنا قادتنا وبلادنا، وأدم نعمك علينا، ووفقنا لأداء رسالتنا على الوجه الذي يرضيك عنّا.. آمين.