د. محمد بن إبراهيم الملحم
صدرت تصريحات إعلامية من أحد مديري التعليم مؤخرًا حول تعليق الدراسة وبين أن رؤيته في هذا الشأن تختلف عن الرأي السائد، حيث إن احتمال تضرر نسبة في حدود 10 إلى 20 في المائة من الطلبة لديهم مشكلات تنفسية وبالتالي تغيبهم عن المدارس في يوم ترابي عاصف لا يلغي حق الـ90 بالمائة الباقين في استثمار وقتهم في التعلم، وهي وجهة نظر لها منطقها وليست مجرد رأي اختياري دون مبرر كما يحدث في بعض الأحيان، وتكتسب لهذا السبب قدرًا من الوجاهة التي توجب على المنصف احترامها، لكن المشكلة ليست هنا، بل في الأسلوب الذي خرج به هذا التصريح في المشهد الإعلامي، حيث اتسم بلغة غاضبة شيئًا ما على المقاطعة التي هي ظاهرة إعلامية لدينا في الإعلام المرئي، وهو ما وجده المحتقنون ثغرة يدخلون من خلالها طالما أن محتوى الحديث تضمن منطقًا مقبولاً لا يستطيعون نقضه بالكلية فذهبوا يشنعون بذلك الموقف وطريقة تعاطي ذلك المسؤول التعليمي مع الموقف الإعلامي فنشروا في وسائط التواصل الإعلامي الاجتماعي مقطع المقابلة وتعليقهم الساخر منه.
عندما يصرح مسؤول ما تصريحًا لا يستحسنه الناس يبادر المعلقون من عامة الناس بقولهم: افصلوه، أقيلوه، «فنشوه»، أو اعزلوه.. وأنا أشاركهم استخدام نفس اللفظ فأقول «اعزلوه» فعلاً ولكني أقصد اعزلوه عن الإعلام، بل واعزلوا كل مسؤول عن الإعلام باستثناء الرجل الأول في الوزارة: الوزير، ومعه المتحدث الإعلامي للوزارة، فليس من واجبات مدير التعليم أو أي مسؤول آخر (سواء في وزارة التعليم أو غيرها) أن يتقن التعامل مع أساليب الإعلام التي تحتاج سيكولوجية خاصة أو أن يتفاعل بشكل ناجح كل مرة مع معطيات الإعلام الضاغطة مثل انتهاء الوقت المحدد أو ضيق الوقت المخصص أصلاً للموضوع (مقارنة بحجمه ربما) أو حتى الظروف والبيئة الخاصة بذلك المشهد الإعلامي. المسؤول مطالب أن يكون أمينًا موثوقًا ومتقنًا للمجال العلمي لعمله وملمًا بالمتطلبات الإدارية ومتسمًا بالسمات القيادية التي تؤهله لتفعيل فريق العمل معه لتحقيق الأهداف، فإذا تحققت هذه القيم والصفات فهو مكسب وطني يجب الحفاظ عليه، ولا ننسى أن الممارسة السائدة في المجال الحكومي أن يتولى المسؤول العمل «بالتكليف» أي دون أن يترتب على ذلك ترقية أو زيادة في راتبه، لذا لا يليق التفريط بسهولة بمن يتصف بالأمانة والثقة ويوافق على مثل هذا التكليف.
إن القدرة الإعلامية تمثل قيمة مضافة وليست أساسًا في سمات المدير المسؤول، ولو تخيلنا أن كل مسؤول يجب أن يكون ناجحًا إعلاميًا خاصة في ظروف بعض الأساليب الإعلامية لدينا فلن نعثر على من يصلح لإدارة العمل في أغلب مؤسساتنا الحكومية، والأمر يدعونا إلى التساؤل حول معايير تقييم المسؤولين وهل هي (أو على رأسها) كثرة ظهورهم الإعلامي أو مدح الإعلاميين لهم! إذا كان الأمر كذلك فلسنا بخير، وعزل المديرين والمسؤولين (عن الإعلام) يكون حاجة وطنية ملحة لإيقاف نزف شراييننا المحملة بالأكسجين إلى خارج المؤسسات الحكومية وبقاء دماء الأوردة فقط.