محمد أبا الخيل
دشن معالي وزير الصحة الأسبوع الماضي مركز الرد (937) والخاص بالرد على استفسارات واستشارات وشكاوى المواطنين حول الخدمات الصحية، وهذا المركز استجاب لعدد كبير من الاتصالات كانت تمثل حاجة لدى المواطنين لم يكن هناك سبيل لتحقيقها دون مراجعة الوزارة أو أحد مرافقها الصحية، وتشكر الوزارة ممثلة في كل من عمل على تحقيق هذه الخدمة وتيسيرها لمواطنين، غير أن تحقيق مستوى من الرعاية والخدمات الصحية يليق بالمملكة ومواطنيها مازال يستلزم مزيدًا من الجهود والتنظيم والموارد، ولا ننسى في خضم الاحتفال بتحقيق هذا الإنجاز المحدود الذي نال صدى إعلاميًا واسعًا، أن وزارة الصحة كجهاز ومنذ أمد بعيد وحتى الآن وبقيادة عدة وزراء تعاقبوا على إدارتها لم تستطع في أي مرحلة تحقيق المستوى المقنع في خدماتها والثقة بجدارة مستشفياتها ومراكزها الصحية الأمر الذي قاد للتوسع الكبير في الخدمات الصحية الخاصة أو السفر للخارج طلبًا للعلاج.
مع أن القطاع الصحي في معظم بلدان العالم أصبح أكثر القطاعات استهلاكًا واستخدامًا للتقنية سوءًا في الإدارة والخدمات أو التشخيص والمعالجة، إلا أن مستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة تمثل استثناء من هذه القاعدة، فعدد قليل مجهز بشبكة معلومات، أو شبكة حاسبات شخصية، ومعظم أجهزة الحاسب فيها قديمة وتستخدم في الحد الأدنى من الخدمات المكتبية، بل إن أغلبيتها تفتقر للإنترنت كخدمة اتصال ناهيك عن كون أي من المستشفيات تستخدم نظام إدارة موارد صحية يوثق أعمالها وملفات مرتاديها، ومازال الفاكس هو خدمة الاتصالات المفضلة بين ديوان الوزارة وفروعها ومرافقها المنتشرة في عموم المملكة، وهذا القصور التقني لدى الوزارة ليس محدودًا بالنظم والتجهيزات بل يتعدى ذلك لقصور في الموارد البشرية القادرة على إدارة خدمات صحية من خلال نظم حديثة وهذا القصور ليس عدديًا، بل قصور نوعي، حيث يقل لدى تلك المرافق من يتقن التعامل مع الحاسب الآلي كنظام إدارة.
قامت وزارة الصحة منذ أكثر من (6) سنوات بشراء نظام رصد للأوبئة كجزء من خطة الوزارة للوقاية من الأمراض المعدية، هذا النظام كلف الدولة حينها ما يقارب (180) مليون ريال، وتم تجهيز مركز معلومات لهذا الغرض وسمى نظام (حصن) وتكلفت الوزارة مبالغ طائلة بصورة غير مباشرة للاستفادة من هذا النظام حيث يراد به رصد وتتبع أكثر من (31) مرضًا معديًا مستوطنة في المملكة أو الدول المحيطة، ومراقبة انتشارها بحيث يتم احتواء عدواها قبل أن تصبح وباءً عاصفًا، هذا النظام مازال في حالة (مكانك سر)، بل إن تطوير الاستفادة منه أصبحت في ذيل أولويات الوزارة، في حين أصبحت عديد من الأنظمة الصحية في دول العالم تعتمد على مثل هذا النظام في رفع كفاءة الوقاية المجتمعية من الأمراض وخفض التكاليف الصحية العلاجية بصورة غير مباشرة، وأصبح في كل بلد جهاز صحي مستقل يسمى في معظم البلدان مركز السيطرة على الأمراض (Center of Diseases Control)، مثل هذا المركز لا يوجد في المملكة، كل ما لدينا نظام (حصن) الذي لا يحصن من أي عدوى.
نتيجة لاختلاف كفاءة مستشفيات وزارة الصحة في تقديم خدمات صحية مقبول للمواطنين، اعتاد معظم المواطنين على ارتياد أكثر من مرفق أو مستشفى صحي طلبًا للعلاج، وجريًا خلف شهرة طبيب أو جراح في مستشفى محدد، لذا تبين لدى الوزارة أن هناك هدرًا كبيرًا في الموارد الصحية تمثل في تكرار الطلبات على مرافق التشخيص كالمختبرات والأشعة بأنواعها، والقدرات والموارد العلاجية متمثلة بزيارة عدة أطباء لنفس الحالة وهدر الأدوية، وللتعامل مع هذا الأمر لم تسع الوزارة لمعالجة أصل المشكل بوضع كفاءة قياسية لمرافقها ومستشفياتها وزرع الثقة لدى المواطن بما يحصل عليه من خدمات صحية من مستشفى محدد، بل عمدت إلى أكثر الحلول صعوبة وهو ما لم يتحقق في بلدان متطورة جدًا في خدماتها الصحية، حيث تزمع الوزارة - كما علمت - وبتكلفة قد تتجاوز(2) مليار ريال على وضع نظام (السجل الطبي الموحد)، وهذا يعني أن يكون لكل مواطن سجل طبي واحد في عموم المملكة يوثق من خلاله كل ما يتعلق بشؤونه الصحية منذ الولادة وحتى يتولاه الله، هذا النظام سيلتزم بتغذيته كل مقدمي الخدمات الصحية بالمملكة خاصة أو عامة علاجية أو تجميلية نفسية أو بدنية، وإن كان يبدو أن هذا النظام هو حل تقني رائع يمثل قفزة في الخدمات الصحية السعودية، إلا أن التحديات التي تواجه تطبيقه ولو بصورة جزئية تعد هائلة بكل المقاييس ولعدة أسباب قد يضيق هذا المقال عن سردها ولكن أهمها، دمج السجلات الصحية الحالية بنظام موحد، صعوبة تجانس الأنظمة الطبية المستخدمة في المملكة، تكلفة الاتصالات في تبادل المعلومات الطبية وخصوصًا الفلمية، الحاجة لتدريب عدد كبير من المستخدمين، وقبل ذلك تجهيز مستشفيات ومرافق وزارة الصحة بأنظمة إدارة تقنية تدعم ذلك.
كانت ولا تزال الخدمات الصحية في المملكة في حال ينطبق عليها المثل الإنجليزي (It is a riddle, wrapped in a mystery، inside an enigma)، هي أحجية مغلفة بغموض داخل لغز. وعلى وزارة الصحة فك تلك الأحجية وإزالة غموضها، من خلال ثلاثة محاور إستراتيجية أولها تحقيق الاستقلالية للمستشفيات الكبيرة ابتداء ثم التعميم من خلال ما يسمى بـ (Hospital Autonomy) بحيث تتحرى من البيروقراطية، ثانيًا: وضع تنظيم سائد وقياسي وشامل للتأمين الطبي، ثالثًا: التركيز على الدور الوقائي للوزارة من خلال مراكز الرصد والإحصاء والمكافحة. والله الموفق.