رمضان جريدي العنزي
صحب طفيلي رجلاً في سفر، فقال له الرجل: امض فاشتر لنا لحماً قال: لا أقدر، فمضى الرجل واشترى، ثم قال له: قم فأطبخ، قال: لا أحسن، فطبخ الرجل، ثم قال له: قم فاثرد، قال: أنا تعب ومرهق، فثرد الرجل، ثم قال له: قم فاغرف، قال: أخشى أن ينقلب على ثيابي، فغرف الرجل، ثم قال له: الآن فكل، قال الطفيلي: والله قد استحيت من كثرة خلافي لك، فتقدم وأكل.
يتبين من ذلك بأن الطفيليين أنانيون، حرفتهم اقتحام كل شيء، ومحاولة السيطرة عليه واحتوائه، دون تعب أو مشقة أو تعاون أو تفانٍ، إن أغلبية مجالسنا ومنتدياتنا ومناسباتنا مليئة بالطفيليين وغارقة بهم وتئن من حضورهم، همهم الطمع، وغايتهم الجشع، ومبتغاهم الارتقاء والصعود على أكتاف الآخرين، دخلاء لا يستحون من شيء، ولا يحذرون من شيء، يذلون أنفسهم، ويهينون كرامتهم من أجل مقصد دنيئ في نفوسهم، فمثلًا لو دعيت هذا الطفيلي لزيارة مريض فإنه سيرفض بحجة أنه لم ير في زيارته أدنى فائدة، أو منفعة شخصية، لكن لو دعيت شخصية اجتماعية مرموقة، وأولمت له، تجد هذا الطفيلي من أول الحاضرين والمشاركين ومن غير دعوة، الطفيليون يخوضون في كل شيء، يلبسون عباءة الدين، وعباءة الثقافة، وعباءة المصلح الاجتماعي، وعباءة المحلل، وعباءة الناقد، وعباءة الراوي، وعباءة المؤلف، يحسب نفسه «فلته» وأنه يرى دائمًا ما لا يراه غيره، ينظر إلى ما قبل الحدث، يستشرف آفاقه، ويسبر أغواره، لقد ازدهرت المجالس بالطفيليين وعمرت بهم غصباً وعنوة، للطفيليين تفكير خاص، وثقافة خاصة، ورؤى ثاقبة فاحصة خاصة، هم يحسبون أنفسهم كذلك، أن هذه الإمعات الطفيلية تنهج غالباً أسلوب التقية، بحيث تظهر ما لا تبطن، لهم أشكال مغايرة عن سرائرهم، يلبسون الأقنعة المزيفة، ويجيدون تغيير تضاريس الوجوه، ثعالب ماكرة، وأصحاب علاقات ومصالح، وأطماعهم خارطة كبيرة، لها تضاريس وعرة، ومناخات متقلبة، يجيدون القول والتنظير، ولا يعرفون الفعل، ماهرون في الألعاب السيركية، الطفيليون يعيشون على الجسد الاجتماعي، يقتاتون منه، ويمتصون دمه، لهم تلفيقات وتقلبات وتمثيليات وحركات غير سوية، متلونون وانتهازيون للفرص والمواقف، لهم مضحكات ومبكيات، من أجل مصالحهم الشخصية، العلاقة تكون مع الآخرين «سمن ودبس» وإذا ما انقضت تلك العلاقة يصبحون مثل نبات الصبار الشوكي يدمي ولا يفيد، يعيشون الخديعة بكل تفاصيلها، ولهم خيبات مخيفة، جراد منتشر يبحث عن الحقول اليانعة، يحاولون اختراق كينونة الناس وعوالمهم الخاصة، مبادئهم رثة، ويحاولون إشاعة الأخلاق الزائفة، والمنطق الأعوج، نتيجة الحراك السلبي الذي في دواخلهم، طاردين للجمال والحب والألفة، غير عقلانيين ولا تنويرين وبهم نكوص وتخلف، مبادئهم قابلة للطي والفك وإعادة التركيب بسهولة ويسر، رغويين مثل فقاعات الصابون، نواياهم سيئة، ومعتقداتهم فاسدة، وآرائهم قاصر، وإيديولوجيتهم رثة، ليس لهم سناء، ولا وهج، هم أس التخلف، وبؤر التناقض والازدواجية والتضاد، ثقافتهم تدلس، وأجنحتهم رماد، فرط الله عقدهم، وأبعدهم عن مجالس الفكر والمعرفة والمحبة والألفة والارتقاء، وشتت أمرهم.