أمل بنت فهد
سبق وأن كتبت أن التناقض هو معركة الرمادي في عقولنا ومشاعرنا.. ليحدد ذاته إما أبيض أو أسود.. التناقض نعمة وليست نقمة أو اختلال.. لأنه ببساطة يعني أنك لم تحسم أمرك بعد ولم تكن رأياً.. لازلت بين مُصدق ومكذب.. لا تزال تحتفظ بفضيلة وأفضلية الشك التي تدفعك للبحث عن الحقيقة.. تلك الميزة التي تلهمك بالأسئلة الصحيحة.. لأن السؤال أهم من الإجابة.. فبعض الأسئلة تأخذك للمكان الخطأ بعيداً عن مربط الفرس.. وبعيداً عن قضيتك الأولى.. وحتى لا تتراكم ملفات الحشو في عقلك.. ولأنها مهمة تحتاج جسارة وخروج عن المألوف وفيها إحراج للنصابين والكذابين والمستشرفين.. وكل من سرق عباءة ولبسها.. وظن بأنها ستمنحه المصداقية والثقة والمنطقية.
الإنسان صاحب العقل الكسول.. هو الأسرع في تبني الأفكار.. بغض النظر عن المصدر.. ودون أن يدخل متعة الأسئلة ويبحث عن الحقائق.. وكثيراً ما يحول الأمور الغامضة والتي لم يستطع فهمها.. وحتى لم يبحثها.. يحولها إلى بنك الوهم والخرافة والمعجزات التي لا يملك لها دليلاً علمياً ولا منطقياً.
على سبيل المثال لا الحصر.. فالناس التي تهيمن عليهم فكرة (العين والحسد والمس والسحر ووو الخ) لا تزال محتارة بأمرها.. بدليل أنهم أحياناً ينسون خوفهم من العين ويعيشون حياة طبيعية.. يلبسون جيداً.. ويأكلون مما لذ وطاب.. ويوثقون يومهم من خلال برامج التواصل الاجتماعي.. وفي أوساطهم الاجتماعية.. فجأة تغيب عنهم فكرة الشر الكامن خلف جشع البشر.. والسوء الذي ينتظر النعمة التي يعيشون فيها.. وإذا صادفهم طارئ من مرض أو تغير في المزاج لأي سبب كان.. لكنه غير معلوم.. تلقائياً تجدهم يفسرون ما حدث بأنه الشر الخفي وحسد الآخرين!
تلك الفترة بين الحدث وبين استمرار حياتهم بشكل روتيني هي الفترة التي يخرسون فيها صوت العقل والمنطق.. هي الفترة التي يلغون فيها إيمانهم بذواتهم.. هي اللحظة التي يركنون فيها إلى ثقافة الصرف من بنك الوهم.
هؤلاء عليهم أن يحسموا أمرهم.. إما أن يرفضوا ضغط فكرة الشر الغامض التي يتربص بهم.. وبما يملكون.. أو يدخلون أفوجاً في حالة الزهد والدروشة.. حتى لا تنقض عليهم عيون الحساد وتسلبهم ممتلكاتهم وصحتهم!
لذا استرخي واهدأ.. فالعيش تحت وطأة الخوف من عدو وشر ليس له ملامح ولا عنوان عذاب وقلق وقيد تلبسه بيدك.. وترمي بالمفتاح بعيداً عنك.. عش واستمتع بما عندك وبما تملك.. ستكون بخير لا تقلق.. الأشباح خرافة تدور في ظلام الجهل.. وحين تجهل أمراً ما.. ابحث عن الحقيقة المقنعة.. أو اتركه على محمل الشك لحين أن تنفيه أو تثبته.. المهم أن تعيش فالحياة قصيرة والخوف يجعلها أقصر وأكثر ألماً.