د. حسن بن فهد الهويمل
لقد فُهِمت مصطلحات الإسلام عند البعض ممن حولنا على غير مراد الله، وهذا الفهم الخاطئ يخدم أعداء الأمة. فـ [النصرانية] قبل التحريف، وقبل النسخ بالإسلام دين سماوي مُحْكَم، ولكن التلقي الخاطئ أفقد هذا الدين أهلية الوجود الكريم، ومن ثم أصبح من السهل تنحيته، وإحلال [العلمانية] الشاملة محله. ولو أنه حَكَم، وتحكَّم في مصائر [الغرب] لظلوا متخلفين، وليس كذلك تحكيم الإسلام.
وفهم المكون الإسلامي على غير مراد الله مؤذن بذهاب الإسلام، وضعف المسلمين، وهو ما تعيشه بعض نوابت السوء، ويتجرع الأبرياء مراراته.
والمواجهة الأوجب إنما تكون لهؤلاء الذين يحرفون الإسلام، ويهيئون الفرص المواتية للمستغربين، الذين زُرِعُوا كـ [طابور خامس]، يفت في عضد الأمة.
الإسلام لا يصمد، ولا يخلد بالنص الرديف المزيف بفعل الأهواء والشهوات. وما تفعله نوابت السوء من أبناء جلدتنا، وتعده دفاعًا عن حوزة الإسلام، يُعَدُّ دفاعًا عن الأهواء المؤلهة باسم الإسلام.
إننا حين نتأفف من مصطلحات الإسلام الرئيسة التي فُهِمت على غير مراد المشرع، إنما نعطي الآخر فرصة الإيجاف باللسان، والسنان، لحملنا على التخلي عن ثوابت الإسلام، ومكوناته.
الذين فهموا [الجهاد]. و[التكفير]. و[الحاكمية] من الغالين، والمبطلين، والجهلة فهمًا يوافق أهواءهم، يفرضون علينا مجاهدتهم بالقرآن، وصحيح السنة، لحملهم على الفهم السليم، والجنوح بهم إلى السلام، وإن لم نفعل كنا كـ [الخِبِّ] الذي يخدعه [الخِبُّ].
مواجهة هذه النوابت المجتثة من فوق أرض المعرفة - والحالة تلك - فرض عين على القادرين. لأن تمكينهم من مواجهة الآخر باسم الإسلام، يشرعن للآخر ضرب الإسلام الصحيح، والمحرف على حد سواء، وتمكين العلمانيين و[الليبراليين] من شرعنة دعوتهم.
بلاد الحرمين الشريفين منطلق الإسلام، ومأرز الإيمان، تواجه حربين شرستين، يخطط لها أذكياء مهرة، وينفذها أغبياء جهلة.
- الحرب الفكرية، حرب التضليل، والافتراء، وتفكيك اللحمة الوطنية.
- الحرب العسكرية: النظامية، والفوضوية، التي تلتف كـ [حبل الفجيعة] حَوْلَ حِمانا.
وإذ نهض جنودنا المرابطون على الثغور بحرب السلاح، فلا أقل من أن يَسُدَّ المقتدرون ثغور الفكر.
فالحرب الفكرية الموجهة عَبْر مئات القنوات، وآلاف المواقع، تود لو أنها أفسدت أفكارنا. وصَدّعت لُحْمَتَنا. وشتتت شملنا. وشغلتنا في التنازع عن فيوض القول الزائف، والإشاعات الكاذبة.
في غمرة الصخب، والسَّكِّ السخي للمصطلحات هناك ظواهر لا يجوز رفضها، ولا القبول بها على الإطلاق، مثل [الدولة أولًا]، و[الدولة لا الدعوة]، و[الوطن للجميع].
إننا بحاجة إلى تحرير تلك المسائل، وتأصيل تلك المعارف. فالمؤمن مأمور بالتثبت، والتبين. لأن الكلمات واحدة، والمقاصد متعددة.
لقد سمعنا عن [القاعدة] وعن [داعش] وعن طوائف أخرى، نعرف منها، وننكر.
وكلها تدَّعي الإسلام، وتجاهد بدعوى الدفاع عن حوزة الدين. والمتنفذون فيها عملاء مأجورون، يأخذون السلاح ممن يلعنونهم دُبُرَ كُلِّ صلاةٍ، ليقتلوا به المؤمنين الآمنين.
واللاعبون الماكرون، المتمترسون خلف الكلمات المعسولة، يديرون هذه الفوضى. وهم في غرف العمليات، يرعون الأزمات، ولا يفكون الاشتباكات.
لقد نزع الملعوب عليهم الأمن، وأشاعوا الخوف. وكرسوا ثقافة الكراهية. يباشرون ما يسمونه بـ [الجهاد]، ثم لا يريقون إلا دماء المسلمين الآمنين المسالمين، لا تحكمهم بيعة، ولا يَقْدُمُهم خليفة. يُكَفِّرون من خالفهم. ويرون أن الكفر كاف لإشهار السلاح، وإزهاق الأرواح، تحت راية الزعيم، وإن لم يكن هناك خليفة. وما يسمونه كفرًا إن هو إلا مخالفة مشروعة، لما يأتون من منكر القول، وخطل الفعل. وحتى الكفر الحقيقي لا يشرعن حمل السلاح، فضلًا عن استعماله.
الإسلام الحق أُتِيَ من بوابات فتحها منافقون، ومستغربون، ومرضى قلوب، ومرجفون. إذ ما من مكيدة تحاك للإسلام إلا ويلي كبرها مُعَمَّمٌ مجوسي، أو ضال محرف، أو متأول جاهل، أو منتحل مبطل. يؤز ذلك كله مستعمر مستبد، أو عميل خائن.
وهذا الواقع المريض يتطلب مواجهة علمية، تُنَحِّي كل قول بشري، يحمل سمة المذهبية المتعصبة. بحيث يُقَدَّم الإسلامُ من خلال قال الله، وقال رسوله.
إذ ما من مريض قلب إلا وينتفع بمعطيات النصوص الرديفة، التي حجبت النص التشريعي. والرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما أمر بالتبليغ قال: - [بلغوا عني ولو آية].
وفي هذا تأكيد على عدم تدخل الوسيط الشارح، أو المفسر، أو المؤول. كما أن فيه تنحيةً لتعدد المفاهيم، وتغليبًا للإيثار على الأثرة. فالمتلقي قد يكون متمذهبًا، فتأخده عزة التمذهب بإثم التعصب، فتكون الدعوة مدعاةً للتنابذ، والتنابز.
فالأجدى ألا تقول كلمتك، وتمضي. وإنما تقول كلمة الله، وتمضي، فلست أبلغ من الله، وقولك ليس أمضى من قول الله. وفي الذكر الحكيم: - {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّه}.
والمتلقي حين لا يكون مؤهلًا للفهم المباشر، يَسْأل أهل الذكر، فسؤالهم مشروط بعدم العلم، أما حين يكون العلم، فلا سؤال، فالكل سواء.
وتداول المصطلحات لا يعني الأخذ بها على الإطلاق، فمصطلح [إسلاموي]، و[إسلامي]. و[حداثي]، و[حداثوي]. و[قبيلة]، و[قبائلية]. و[تاريخ]، و[تاريخانية]. و[عربي]، و[عروبي]. وما شئت من مسكوكات مصطلحية، تعرف منها، وتنكر. كل هذه تختلف مفاهيمها، ومقاصدها، والمتداولون لها، بوصفها رموز التفاهم.
وسبيل النجاة، يتمثل في تحرير كافة المسائل، وتأصيل كل المعارف على ضوء مقاصد المشرع، ودلالات خطابه، وفقه الواقع، والتمكين.
ومن اتخذ إلهه هواه، وارتهن نفسه لِخِطاب مذهبه، مستدبرًا إجماع الأمة، وتسامح الإسلام، ومشروعية الاختلاف، فقد ضل ضلالًا بعيدًا.