أ.د.عثمان بن صالح العامر
نحن في المملكة العربية السعودية -شاء من شاء وأبى من أبى- قادة العالم الإسلامي والمؤثر الأقوى في مسيرته الإصلاحية، والبلد الوحيد المعوّل عليه بعد الله في معالجة مشاكل المسلمين، وجمع كلمتهم، وتحقيق وحدتهم، وإعادة جسديتهم، وارتصاص صفوفهم، وتعليم جاهلهم، وإرشاد ضالهم، ولذا لا عجب أن تكون لقاءات قادتهم السياسية أو الفكرية التي تنعقد في هذا البلد المبارك الكريم -خاصة حين تكون في رحاب مكة المكرمة- مثمرة ومؤثرة في مسيرتهم التضامنية والتعاونية، ولعل المؤتمر العالمي «الاتجاهات الفكرية بين حرية التعبير ومحكمات الشريعة»، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي في الفترة من 20-22 جمادى الآخرة 1438هـ، 19-21 مارس 2017م وشرُف برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وشرفه نيابة عنه -حفظه الله ورعاه- صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، وحضره جمع غفير من كبار علماء العالم الإسلامي ومفكريه ودعاته، أقول إن هذا المؤتمر المتميز بشاهدة الكثير من بين الشواهد العديدة التي تبرهن على ما ورد أعلاه في هذا المقال.
لقد جاء البيان الذي صدر عن هذا المؤتمر على مستوى الحدث، ومؤشرًا قويًّا على القيادة السعودية للمسار الفكري في عالمنا الإسلامي، ومع أهمية جميع ما ورد في البيان من قرارات فإنني توقفت طويلاً عند القرار (5) الذي ينص على (الحذر من التساهل في التصنيفات الدينية والفكرية، سواء للهيئات أو المؤسسات الحكومية والأهلية أو الأفراد، واعتبارها وقود الفتنة بين المسلمين، وفتيل التطرف والتناحر والتدابر).
لقد دبّ هذا الداء في جسدنا الداخلي -فضلاً عن الإسلامي- للأسف الشديد، فراح البعض منا يصنف الناس ويخندقهم حسب ما يمليه عليه هواه أو يعتقده هو يقيناً لا يقبل الشك، وهو في حقيقته مجرد ظن عارض حاول أن يعززه هو بما استطاع من دلائل ومعطيات، هي -إن أحسنا الظن بجامعها- لا ترقى إلى أن تكون مجرد قرائن لا يمكن إصدار حكم قطعي على صاحبها بانتمائه لهذا التيار الفكري أو ذاك.
لقد حذر ولاة أمرنا -حفظهم الله ورعاهم- قبل غيرهم من مغبّة التصنيف الجائر للأشخاص، وأثره السيئ في وحدتنا الوطنية ولحمتنا الحقيقية، وفي ذات الوقت بيّن علماؤنا الربانيين المنهج الصحيح في الحكم على الناس وإلصاق النعوت بهم، والحق فيما حُذر منه، وبُين منهجه، وكل من حاد عن هذا النهج فرمى من يختلف معه في شخصه بما ليس فيه حسداً وحقدا، كرهاً وبغضا، غياً وفجورا، فضرره على الوطن لا يخفى، وتحريفه الكلام عن مواضعه وتدليسه وتدجيله بيِّن ظاهر، طال زمنه أو قصر، وهو وإن ادّعى وصلاً بدين، وراهن على وطنية هو في الحقيقة يفسد دينه بنفسه، ولا يمكن له أن يكون أكثر وطنية وأصدق انتماء ممن ينعتهم بنعوت ليست فيهم لا قريب ولا من بعيد، ولا يمكن أن تصدق عليهم بحال، ومن يعرفهم عن قرب يجزم يقيناً بأنهم من أشد الناس إخلاصاً وحماية ومنافحة ومدافعة وعطاء وبذلاً لهذه الأرض الطيبة المباركة المملكة العربية السعودية، وهذا ليس بكثير منهم على وطن قدّم لهم وما زال يقدم.
إن التساهل في التصنيف وإسقاط النعوت على المخالف لك في الرأي هو «وقود الفتنة» التي نسأل الله أن يقينا إياها، وأن يبعد عنا كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وظلم الجائرين، وتلون المنافقين، ودجل المتزلفين. ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.