د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
ظهرت العالمة السعودية غادة المطيري في لقاء مع اتحاد الطلبة الكويتيين في أمريكا وغادة اليوم نموذج ملهم لكثير من الشباب والشابات. وأبانت العالمة غادة المطيري في لقائها عن أنها ولدت في أمريكا وتلقت تعليمها الأولي هناك. عادت للسعودية وأدخلها والداها مدرسة أجنبية لأنها تملك جنسية أمريكية، وبعد منع السعوديين من الدراسة في المدارس الأجنبية، أرسلها والدها، رحمه الله، لأمريكا لإكمال الدراسة الثانوية هناك، ومن هناك انطلقت مسيرتها.
كان والداها شغوفين بالقراءة، محبين للعلم، يعيشان في محيط من الكتب. دلالة توضح أنهما كانا مستنيرين ويقدران أهمية العلم، وأهم من هذا وذاك ثقتهما في ابنتهما بفتح مجال السفر والعلم لها. فغادة لم تمر على المدارس السعودية، وتعليمها كان من بدايته لنهايته أجنبي. أمر آخر ذكرته، أنها تلقت منحة دراسية من جامعة أمريكية ليس لدرجاتها العالية فقط بل لكونها عداءة، عداءة بالمستوى الأمريكي! فهي كانت تمارس الرياضة والجري منذ الصغر.
أحبت غادة الرياضيات وبرعت فيها منذ الصغر، حتى التقت بعد تعليمها الجامعي في أمريكا أستاذاً يابانياً زائراً من جامعة كيوتو يبحث في مجالات هندسة الكيمياء-أستاذ ياباني وليس أمريكياً. هذا الأستاذ هو من دعاها لمختبره لتسهم في الأبحاث في هندسة الكيمياء. قبل ذلك لم تمارس البحث العلمي ولم تكن تعرفه، ناهيك عن البحث في مجال جديد لم تألفه من قبل مثل هندسة بالكيمياء قبل لقاء هذا الأستاذ الذي ذكر لها أنها تذكره بصغره، وأنه يعتقد أنها «ألماسة في تراب». والسؤال الذي يقفز للذهن هنا، لما لم يفطن أساتذتها الأمريكان لهذه الألماسة؟ ولما لم يشجعوها كما شجعها الأستاذ الياباني؟ الجواب ربما هو أن الرعاية البحثية ليست مسألة علمية بحتة، وليست متاحة للجميع، وإنما مزية تخضع لإجراءات انتقائية كثير منها غير موضوعي أو علمي. ولذا فلا غرو أن كثيراً من الباحثين في أوربا وأمريكا من فئة واحدة ممن تربطهم علاقات قومية أو شخصية لا دخل للعلم بها. وهنا نجد دروساً وعبرًا لمن حاول منا دعم البحث العلمي لدينا باستقدام باحثين من الخارج. فالقدرة على البحث هي محرك التقدم، ولا أحد يقدم أسراره البحثية لغيره لينافسه بها. وجميع مراكز الأبحاث المهمة في مختلف دول العالم تحاط بالسرية التامة، وتغلق أمام الزائرين. وأساليب البحث وأدواته وأجهزته ثروة تتطور بشكل تراكمي وهي أهم من منتجاتها ومن براءات الاختراع ذاتها لأنها هي السبيل الذي لا ينضب للوصول لها. ولذا فاليابانيون، والهنود، والصينيون وغيرهم كسروا احتكار الغربيين للأبحاث إما بالتجسس عليهم، أو بتأسيس ثقافة بحثية خاصة بهم. فمعرفة أساليب الأبحاث ونظمها أهم من الأبحاث ذاتها، وتطوير ثقافتها عملية طويلة وشاقة.
غادة وصفت مساهمتها في البحث العلمي بتواضع كبير، ووصفت منجزها بالأمر غير الخارق للعادة وإنما هو متابعة للفضول والمثابرة والعمل 12 ساعة يوميا. لكنها ذكرت أمراً مهماً آخراً وهو أن أحد الأثرياء الأمريكان تبرع بتمويل كامل مختبرها لهندسة الكيمياء في جامعة سانتييجو. أمر يوضح مدى اهتمام الأثرياء المستنيرين بتوظيف المال لأهداف نبيلة كدعم البحث العلمي ودعم المؤسسات العلمية التي تفيد كل البشرية. ولم يكن دعم هذا الثري مشروطاً أو استثمارياً. وكان ممكن لهذا الثري أن يحتفظ بالمال لنفسه أو ينفقه ببذخ على يخوت وفنادق، لكن علو همته ورقي تطلعاته جعلته يطمح لما هو أسمى لبلاده وللبشرية، ولما يرضي طموحه ويحقق له سعادة حقيقة لا متعًا حسية.
دروس أخرى مستفادة من اللقاء أننا يجب أن نوجه التعليم لما ينمي الفضول والتفكير النقدي لا ما يحجّر العقول بالنقل الحرفي، وأن دعم البحث العلمي يجب أن يكون سخياً بعيداً عن استعجال النتائج، فالصبر والمثابرة أهم ركائزه. وأخيراً وهو الأهم، أن علينا أن نعتمد، بعد الله، على أنفسنا ونولي العلم ما يستحقه من اهتمام لأن اعتمادنا على غيرنا لن يجدينا نفعا. شرقنا وغربنا ودفعنا أموال طائلة بحثاً عن تطوير البحث والتعليم بلا طائل والنتيجة للأسف أن الآخرين هم من استفاد من أموالنا بينما نحن لم نبارح مكاننا. فكم من ألماسة في بلادنا ظهرت واندثرت في تراب وطننا دون أن نفطن لها ونصقلها، والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.