د. عبدالواحد الحميد
كان صادماً أن نسمع ما تحدث به بعض أعضاء مجلس الشورى عن فداحة المستوى الذي وصل إليه التلوث في مدينة الجبيل الصناعية، فقد ذكر عضو المجلس الدكتور عبدالإله ساعاتي أن مدينة الجبيل الصناعية هي الأسوأ عالمياً في التلوث الهوائي وفق تقرير منظمة الصحة العالمية، كما أن عضو المجلس الدكتور أحمد الغامدي ذكر أن تلوث الجبيل يشمل التلوث الهوائي والمائي وتلوث التربة.
هذه معلومات مفزعة، فالجبيل الصناعية ليست مدينة جديدة كي نكتشف الآن السلبيات التي تنجم عن التصنيع غير المقنن بمراعاة شروط حماية البيئة، وإنما هي مدينة تجاوز عمرها عقوداً عدة وراكمت من التجارب ما يكفي لعلاج المشكلات البيئية التي قد تحدث بسبب إنشاء المصانع التي تنفث الدخان والأبخرة السامة والمخلفات الخطرة.
وقد كانت المصانع في السابق تعتمد على تقنيات قديمة لا تتعامل جيداً مع الأبخرة والمخلفات، وبسبب ذلك وقعت حوادث كبرى في بعض التجمعات الصناعية، ولعل أحد أشهر هذه الحوادث المأساوية ما وقع في مدينة بوبال بالهند، حيث أدى تسرب الغاز والمركبات الكيميائية إلى عدد كبير من الوفيات بلغت في الأيام الثلاثة الأولى من الحادثة نحو أربعة آلاف وفاة، ووصلت بعد ذلك إلى خمسة وعشرين ألف وفاة، وبلغ عدد المتضررين نحو ستمائة ألف حالة! وبالطبع، لم تكن حادثة بوبال مجرد حالة تلوث عادي وإنما خلل وإهمال وغش وصل حد الجريمة!
لكن التقنيات الجديدة في بناء وتشغيل المصانع تطورت كثيراً واستفادت من الأخطاء، وقد كان ذلك بفضل الضغوط التي مارستها منظمات حماية البيئة وما أحدثته من وعي عام بالأضرار الفادحة التي تسببها أبخرة ومخلفات المصانع في الهواء والماء والتربة. وقد تَبَنَّتْ البرلمانات في الدول الصناعية مطالب منظمات حماية البيئة واستجابت للضغط الإعلامي المتواصل، فأصدرت قرارات مهمة لحماية البيئة، ألزمت المصانع بمراعاة الشروط الصحية التي تكفل حماية المجتمعات الصناعية من التلوث.
وما نتمناه من مجلس الشورى هو أن يتبنى المطالب الاجتماعية بحماية البيئة في الجبيل الصناعية وفي غيرها من التجمعات التي توجد فيها المصانع، فالمجلس يستطيع أن يتبنى فكرة إلزام المصانع القائمة والمصانع التي ستقام بأن تستخدم أحدث تقنيات التشغيل التي تضمن حماية البيئة من التلوث. أما مدينة الجبيل الصناعية، تحديداً، فإن المطلوب من الهيئة الملكية للجبيل وينبع أن تبادر فوراً إلى علاج مشكلات التلوث بالتعاون مع أي جهة رسمية أخرى، فالهيئة التي تجاوز عمرها عقوداً من الزمن واكتسبت الكثير من الخبرة في مجال التنظيم الصناعي ليست معذورة إزاء ما حدث ويحدث من تلوث في الجبيل الصناعية.