د. أحمد الفراج
تحدثت في المقال الماضي عن بؤس أيدولوجية اليسار العربي، والتي تميزت بالشعاراتية والغوغاء، ومنها سنعرج على حاضنتها الرئيسية، أي اليسار الغربي، والذي خلع عباءة التقية، منذ أن فاز الرئيس ترمب برئاسة أمريكا، فلئن كنا نظن أن مؤدلجي اليسار العربي كانوا يصنمون زعاماتهم، ويصنعون لها هالات من العدم، فإن اليسار الغربي تعدى ذلك بمراحل، ولعل أجمل ما في فوز ترمب هو كشفه لهذه الأيدولوجية المتعصبة، التي طالما عيّرت اليمين المحافظ بالجهل والتطرف والتعصب، ولا يعني ذلك أن ترمب بريء، فقد ارتكب بعض الأخطاء التي ساهمت في تقوية موقف خصومه، وتجاوب مع الاستفزازات الإعلامية، فأصبح هدفاً يسهل ابتزازه من اليسار المتربص.
كمتابع للإعلام الأمريكي منذ زمن طويل، كنت أعتقد أن إعلام اليمين المحافظ، مثل قناة فوكس التلفزيونية، ومجلة الويكلي ستاندردز، وغيرهما كان يتبنى أيدولوجية متشددة، ويبالغ في التعصب لرموزه، ولكن بعدما فاز ترمب، تبنى إعلام اليسار ذات المنهجية المتشنجة، وعندما نتحدث عن إعلام اليسار، فإننا نتحدث عن قنوات تلفزيونية عالمية مرموقة، مثل سي ان ان، ان بي سي، ام اس ان بي سي، وبقية القنوات الذائعة الصيت، ونتحدث عن صحف عالمية، مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست، وهذه الوسائل المحترمة تخصصت بملاحقة ترمب، ونبش كل ما يتعلق به، وبلغ الأمر أنها لاحقته في قرارات سياسية، وشنعت عليه بسببها، رغم أن ربيبها باراك أوباما، اتخذ قرارات مشابهة، ولم ينبس أحد ببنت شفه، وأكبر مثال على ذلك هو أمر ترمب التنفيذي بمنع مواطني بعض الدول من دخول أمريكا، والذي يشنع إعلام اليسار عليه بسببه، رغم أن أوباما اتخذ قراراً مشابهاً، ومرّ بسلام عجيب!
تتابع وسائل الإعلام المحايدة، وتلحظ نشاطاً ملموساً لإدارة ترمب، ثم تتابع برنامجاً لأحد رموز اليسار، مثل المذيعة الشهيرة ريشل مادو، وتعتقد حينها أن ترمب يوشك أن يعزل من الرئاسة، فهذه المذيعة اليسارية المتطرفة تبذل كل جهدها لملاحقة كل ما يخص ترمب، فذات مرة، كلفت بعض محرريها لمتابعة نشاطات رجل أعمال روسي، وخط سير رحلاته، ثم جاءت بفتح عجيب، عندما اكتشفت أن طائرة رجل الأعمال الروسي الخاصة تحط في مطارات بعض المدن الأمريكية، التي يزورها ترمب، ثم توحي لمشاهديها بأن هذا الثري الروسي، القريب من الرئيس بوتين، يجتمع مع الرئيس ترمب سراً، وهذا، من وجهة نظرها، يعزِّز احتمالية تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية لصالح ترمب!
أنا لا أنفي أو أثبت تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية، وهذا أمر من اختصاص أجهزة الاستخبارات الأمريكية، ولكنني فقط أحاول توضيح موقف إعلام اليسار من ترمب، مقارنة مع موقفه من أوباما، وكيف أن هذا اليسار سقط في تجربته الجدية الأولى، وتبيّن أنه أسوأ من إعلام اليمين المحافظ بمراحل، فقناة فوكس نيوز اليمينية لاحقت أوباما، ولكن ملاحقتها لم تصل للدرجة التي بلغها إعلام اليسار مع ترمب، والخلاصة هي أننا كنا نظن أن اليسار العربي المأزوم هو نسخة مشوهة من اليسار الغربي العقلاني، فإذا بنا نكتشف أن هذا ربيب لذاك، وأنه لا فرق بينهما، وأن المشكلة تكمن في ذات الأيدولوجية، لا في من يمثّلها.