محمد خالد الخنيفر
في الوقت الذي أصبحت السعودية على مشارف إصدار أول صكوك سيادية في تاريخها، يدور تساؤل في خاطري حول الفتوى ومن هي الجهة التي ستصدرها؟ وفي ظل عدم وجود هيئة شرعية مركزية متخصصة للمعاملات الإسلامية بالمملكة، تجد وزارة المالية نفسها في موقف قد تجلب نتائجه تبعات على التسعير، لا قدر الله. فليس كل مفتٍ يمكن أن يصبح فقيهاً مصرفياً متمرساً بالمالية الإسلامية. وحتى الفقهاء المصرفيون لدينا منهم المتحفظون ومنهم المنفتحون (على التطورات الجارية على هياكل الصكوك وكذلك المنتجات المصرفية). ولذلك إدارة هذا الموقف الحساس يقع على عاتق مكتب إدارة الدين العام الذي يشرف على زمام الإصدار. من واقع تجربتي لإصدارات الصكوك السيادية القادمة من دول لا تملك هيئات شرعية متبحرة في الأمور المصرفية، في العادة يكون لديهم خياران عمليان:
1) الحصول على فتوى خارجية من الهيئات الشرعية للبنوك المرتبة للإصدار (وفي العادة هؤلاء الأعضاء هم نجوم الصناعة عندما يتعلق الأمر بالمعاملات المالية الإسلامية.
2) اللجوء إلى الهيئة الشرعية لدى مجموعة البنك الإسلامي للتنمية التي تحظى بتقدير عالٍ لدى الصناعة. أما غير ذلك فقد يعني الاستعانة بالشرعيين المحليين لتحديد مصير هيكلة صكوك سيتم تسويقها لمستثمرين دوليين لا يعرفون أي شيء عن المالية الإسلامية. ولذلك ذكرت في مقابلة قناة العربية أنني أتوقع أن تختار السعودية هيكلة الإجارة أو الوكالة. أما لماذا؟ فلأن المستثمر الأجنبي يعرف تلك الهياكل وتعود عليها وهذه الهياكل هي حجر الأساس مع الإصدارات السيادية. قلت ذلك على افتراض أن السعودية ستلجأ للهيئات الشرعية الخارجية (التابعة للبنوك المرتبة للإصدار) وذلك من أجل الحصول على الفتوى. كل ما أخشاه هو ظهور أصوات تتحفظ على هذه المنهجية العملية بحجة أن مكانة المملكة لا تسمح لها بالحصول على فتوى خارجية من فقهاء مصارف غير محليين، حتى لو كانوا الأكفاء والأفضل.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أن هناك احتمالية ألا تختار السعودية هيكل الإجارة (سواء الإجارة المتناقصة (amortized) أو الإجارة التي يدفع رأسمالها عندما يحين موعد إطفائها (sale and leaseback))، وذلك بحجة تعهد الشراء. مع العلم أن الإجارة المتناقصة لا يوجد بها تعهد بالشراء وتحفظ مجمع الفقه الإسلامي الدولي كان على الإجارة ذات الأجل الذي أقل من سنة (البيع وإعادة الشراء).وصكوك السعودية آجالها ستكون أعلى من 5 سنوات.
الخصوصية السعودية
أقول ذلك من واقع تجربتي مع أول إصدار سيادي للمملكة الأردنية الهاشمية وكيف لعبت هيئة الرقابة الشرعية المركزية دوراً محورياً في الهيكلة. فالخصوصية الأردنية في الهيكلة الخاصة بالصك كانت واضحة وجلية وتقبلها المستثمرون الأردنيون بعد عقد جلسات تثقيفية مكثفة معهم. ليس هذا فقط بل حاز الإصدار على جائزة «أفضل إصدار للصكوك السيادية لعام 2016» الممنوحة من قِبل مجلة أخبار التمويل الإسلامي (IFN). ولكن هل يا ترى سيتقبل المستثمرون الدوليون تلك «الخصوصية الأردنية» في الأمور الشرعية الخاصة بالصكوك الدولارية (في حالة قررت الأردن إصدار صكوك)؟. الهدف من هذه المقدمة هو التوضيح بأنه قد لا يكون من المستحسن تصدير «الخصوصية السعودية» لهيكل الصكوك للمستثمرين الدوليين الذين قد يتحفظون عليها وقد يتقبلونها على مضض.
كل ما أخشاه أن نستخدم نوعاً آخر من الهياكل ذات «الخصوصية السعودية»، يطلق عليها اسم الصكوك «الهجينة» لأنها تحتوي على مزيج من الدين (هيكل المرابحة) والملكية (هيكل المضاربة). ورغم تفهم المستثمرين السعوديين لهذه الهيكلة، فإن المستثمرين الأجانب سيتحفظون على هذه الهيكلة المعقدة. نحن لا نقول إن الإصدار لن يتم إغلاقه بنجاح، بل سيتم الإصدار بحول الله ولكن: 1) قد تجلب هذه الهيكلة المعقدة علاوة على الإصدار (مثل ما حصل مع سندات شركة «أكواباور» السعودية التي كانت تنوي إصدارها وطالب المستثمرون في حينها أن يحصلوا على مزيد من الوقت لفهم الهيكلة، فضلاً عن حصولهم على علاوة سعرية على الهيكلة المعقدة، 2) قد يؤثر ذلك على عدد مرات تغطية حجم الإصدار، 3) قد يضعف الجانب التفاوضي الخاص بالتسعير من الجانب السعودي. وإذا حدث ذلك، لا قدر الله، فخزانة الدولة هي من سيتحمل تلك العلاوة السعرية.