عبدالحفيظ الشمري
برحيل الأديب والمؤرّخ التراثي محمد بن عبدالعزيز القويعي -رحمه الله- تطوى صفحة مهمة من صفحات جيل الرواد؛ الذين أسهموا في بناء ثقافتنا وتأريخ مراحل تراثنا، حيث عمل بجد وإخلاص على مدى أكثر من خمسة عقود في توثيقه، وحفظ مقتنياته، والتعريف به في الكثير من المناسبات في داخل الوطن وخارجه.
فالراحل القويعي - رحمه الله - سيظل في الذاكرة والوجدان رائداً فذاً من رواد العمل الثقافي والعطاء التراثي؛ ليس على مستوى الوطن فحسب إنما شملت تجاربه وعطاؤه في حفظ وتوثيق تراث دول الخليج والعالم العربي، إذ من تابع نشاطه وجهوده أدرك أنه ظل معنياً طوال سني عمره بهذا التراث وتفاصيله، فيذكر العديد من التعريفات والإيضاحات والاستخدامات للكثير من الأعمال التراثية من أجل أن يكون المتابع والقارئ على اطلاع تام بزوايا وخبايا هذه الأدوات الشعبية، والمشغولات التراثية، والأزياء الفلكلورية، فكان شرحه لها مبسطاً، وبلغة مفهومة، وموثقة، ليستفيد منها جيل اليوم وأجيال المستقبل.
فقد صدرت للقويعي - رحمه الله - الكثير من المؤلفات؛ وأهمها موسوعته القيمة «تراث الأجداد» والتي حوت الكثير من المعلومات والتعريفات عن المضامين التراثية، والمحتويات الفلكلورية، والأزياء الشعبية، وأدوات الحياة اليومية للأجيال السابقة، وجاءت هذه المعلومات مشروحة بالتفصيل الدقيق، بل مدعمة بالصور.
كما أنه عني بالتراث الوطني لبلادنا، والخليجي العربي بشقيه المعنوي والمادي؛ إذ أصدر الكثير من الدراسات والبحوث التي تهتم بالتراث الشفاهي من أمثال وحكايات وألغاز وحكم وقصص للأطفال، كما أنه عمد إلى توثيق كتاباته وتسجيلاته في الكثير من هذه المجالات بأسلوب متخصص وفريد.
وحوت إذاعة وتلفزيون المملكة الكثير من المواد والتسجيلات التي وثّق فيها التراث السعودي، والخليجي والعربي في مجالات عدة، إضافة إلى استضافته في برامج الثقافة والتراث، حينما يمثّل الوطن في لقاءات ومؤتمرات ومعارض ثقافية، فكان حضوره - رحمه الله - مميزاً، وعرضه مشوقاً، ورسالته متميزة في جوانب التراث والثقافة.
هذا في الجانب المعنوي، أما في الجانب المادي للتراث فإنه حرص على جمع الكثير من المواد والمشغولات اليدوية، والتحف، والأزياء، والأدوات في متحف متكامل، أعده وأنشأه على مدى عقود، فكان يحرص دائماً على اقتناء كل ما له علاقة بتراث بلادنا؛ فينتخب منها ما تيسّر، ويعرضه بشكل متقن في رحلاته إلى خارج الوطن في مناسبات كثيرة، وقد حرص على أن يكون هذا التراث المادي مدعماً بالشرح والتأصيل، لكي يكون مادة علمية واضحة، فكان - رحمه الله - لا يكل أو يمل من جمع هذا التراث والسفر إلى جهات كثيرة من أجل الحصول عليه، والاهتمام به، وتوثيقه، وحفظه؛ ليكون ذخيرة مهمة للأجيال المعاصرة والقادمة، فرحم الله أبا سعد.. رائد التراث وأستاذ الثقافة والمعرفة.