سام الغُباري
مُذ صار رئيسًا لم يدافع «علي عبدالله صالح» عن أحد! حتى ابنه «أحمد» دمّر أحلامه في الرئاسة، وقضى على منظومته العسكرية التي بناها بحرص طيلة سبعة عشر عامًا، في لحظة واحدة أهدى كل رصاصة وبندقية، وكل دبابة ومدفع، وكل مركبة وصاروخ إلى الحوثيين. كان «أبو علي الحاكم» أقرب إليه من نجله؛ فهو نسخة طبق الأصل منه، يتذكر فيه أيام شبابه، تلك الأيام التي كان وجهه محفورًا بأوجاع الجوع، الحِمية ذاتها، فهو «تيس ضُباطه»، ورجل مهماته الصعبة. تخيلوا لو أن «الحاكم» صار رئيسًا!
- لم ييأس «صالح» لحال المواطن اليمني، ولم يدافع عنه أبدًا، وكأنه رئيس لدولة أخرى غير اليمن! بدأ التدهور الاقتصادي للعُملة الوطنية في عهده، تصاعدت قيمة العملات الأجنبية مقابل الريال، وأدخل البلاد كلها في صراع آخر مع الخليج، نزف ضحيته أكثر من مليونَي مغترب، أجبرتهم القرارات على العودة إلى بلادهم بعد سنوات الرخاء في المملكة السعودية. لم يهتز شيء في «صالح»، ولم يجفل؛ فقد كان مشغولًا بحساب قيمة براميل النفط المجانية التي منحها له «صدام»!
- قبل عام تقريبًا انزعجت السعودية من موقف وزير الخارجية اللبناني في القمة العربية، وأعلنت خطوات تصعيدية فيما يخص علاقات البلدين؛ فهرع اللبنانيون كلهم لاسترضائها، والتبرؤ من وزيرهم المتهور.. وفي اليمن لم نجد أحدًا يتحمل مسؤولية أي شيء، أو يحفل بأمر، أو يهتم بشأن العامة واقتصادهم ومعيشتهم، لم يشعر اليمني بحكومته، ورئيسه، وحيدٌ في دنيا ما لها صاحب!
- لا إفراط في الأسى على ما مضى، لكنه اليوم سؤال كبير: ماذا قدّم صالح لأصحابه ورجاله؟ أولئك الذين كانوا أعمدة حكمه وعيونه و»بصاصيه».. لقد أفرج عن ثلاثة آلاف مقاتل حوثي في الحرب السادسة رغم تحذيرات مستشاريه الأمنيين، وبعد أيام حاصر أولئك المُفرج عنهم قرية صديقه «عثمان مجلي»، وأرغموه على الانسحاب إلى صنعاء وقد دمّروا مساكنه ونهبوا ممتلكاته الواسعة. وفيما كان رفيق مقيله المحبوب «صغير بن عزيز» يُضحي بأقاربه في حربه مع «الحوثيين» عمد «صالح» إلى مد الحوثيين بالسلاح لمواجهته، وفي اللحظة الأخيرة انتشله بطائرة عسكرية من سقيفة منزله، ثم دعاه إلى مقيله وكأنه لم يفعل شيئًا!
- العميد القشيبي الذي أضحى عليلًا في جسده بسبب طلق ناري في الحرب الأولى دفاعًا عن دولة «صالح» يقول لرفيقه قبل استشهاده إنه يواجه كتائب عسكرية مُدربة، أدركها من تكتيك المعركة، ونوعية الأهداف، وقواعد الاشتباك.. لم يكن يواجه الحوثيين على أية حال.. بعد رحيله اتصل «صالح» بشقيقه معزيًا وآسفًا من عدم حضوره لاستقبال الجثمان بسبب وجود «علي محسن»!
- تخلى «صالح» عن نائبه الذي رشّحه بيده ولسانه لتولي الرئاسة، ثم فصله من الحزب الذي مثّله في المبادرة الخليجية، وأمر الحوثيين باقتحام منزل الدكتور عبدالكريم الارياني الذي علّمه وأرشده إلى السياسة وشؤون الدولة طيلة ثلاثين عامًا، وفي لحظة المكافأة جاء الثناء على صدر صحيفة «اليمن اليوم» (الارياني ساقط)! بعدها أطلق على كل من عارض تحالفه مع «الحوثيين» أوصافًا تخوينية، وفي كل يوم كان الرجال ينفرون من حوله، يبتعدون من جحيمه، وقد أراد أن يكون الشمس التي تدور حولها الكواكب، حتى أصبح وحيدًا.. مَنْ معه اليوم من القامات العظيمة الذين عرفتهم اليمن؟ لا أحد.. يشتري الوجوه الجديدة من الرصيف، ويجمعهم، ثم يُلقي فيهم خطابًا يُهدد «نائبه السابق»، وهُم مبتسمون للكاميرا ببلاهة، فرحون بالظهور في هذه اللحظات المؤلمة، يشعرون بأهميتهم التي يمنحها لهم، يُلقيهم في وجوه خصومه، ويتراجع مذعورًا من معركة اخترعها لحماية مصالحه في محاولة لإعاقة تقدم الجيش والجمهورية نحو صنعاء، يمارس دعايته بقدرته على العودة، يُعزز ذلك بحضوره المستمر إعلاميًّا، وبأنه لا يزال متحكمًا في خيوط اللعبة، يوزع ثقته، ويربت على كتف رجل لا يعرفه «أنا راكن عليك»، فتسري في المسكين رهبة ما شعر بها، رهبة ممزوجة بفرح المهمة التي أوكلها إليه الزعيم، وقد أضحى مثل بورزان القبيلة، يجمع القبائل بصوت نفيره لإجابة شيخهم .
- يجب أن يُدرك الكثير أن «صالح» لم يهتم بأحد إلا نفسه؛ فبعد كل المهانات التي تجرعها اليمنيون بسبب قراراته الفاشلة تنتهي الحكاية بإرسال قنّاصيه لقتلهم، وقد فاوضوه قبلها على استعادة الدولة بلا حوثيين إلا أنه كان يغلي غضبًا، يسعى لإشباع رغبته في القتل بيد الحوثي، وباليد الأخرى يرفع سماعة الهاتف لإظهار عظيم أسفه وحزنه!
- لو أنه أقنع نفسه بأن الحروق التي أصابته كانت بسبب اندلاق إبريق ماء ساخن على جسده لانتهى وانتهينا، وسلم وسلمنا، لكنه جمع إسرائيل وأميركا وبريطانيا، وحشد الكائنات الفضائية والديدان والوحوش في خطاباته، محذرًا من مؤامرتها على غزو اليمن! وما الذي يُطمع الناس فيك وفينا يا رجل!.. ليس معنا شيء سوى أموالك التي تخشى عليها من أثر العقوبات، ونجلك الذي هزمته قبل أن يترشح للرئاسة، وأدته في القبر، وأهلت عليه التراب، وأكلت أصنامك التي صنعتها بيديك، وكنت تأمرنا بعبادتها، ويوم جُعت التهمتها وحدك، وتركتنا وسط السيوف بلا آلهة.
* * *
أعرف أن «هادي» أغضبك، لكنه أراد أن يكون رئيسًا حقيقيًّا، وعليه ألا يتنازل عن حقه في دخول «صنعاء» بأي ثمن.
.. وإلى لقاء يتجدد.