د.عبد الرحمن الحبيب
القرار الأمريكي بحظر الأجهزة الإلكترونية الأكبر من الهواتف الذكية ضمن الأمتعة اليدوية للمسافر خلال الرحلات الجوية من ثمانية بلدان وتسع شركات خطوط وعشرة مطارات أثار استغرباً عالمياً، فالإرهابي يمكنه تنفيذ عمله من خطوط أخرى ومطارات أخرى، فلماذا هذا التحديد؟
بريطانيا بدورها دخلت على خط الحظر ولكن بتفاصيل مختلفة، إذ استثنت الإمارات وقطر فيما شمل حظرها بعض الخطوط الغربية مثل الخطوط الجوية البريطانية، وبقيت البلدان الستة الأخرى: الأردن، تركيا، السعودية، الكويت، المغرب، مصر. ثمة أسئلة عديدة محيرة سيحاول المقال البحث عن إجابة عليها.. لكن قبل ذلك هناك خلفية نحتاج المرور عليها عن مجموعات الضغط الأمريكية في خضم المنافسة بين شركات الطيران..
أمريكا رائدة عالمياً بسياسة «الأجواء المفتوحة»، فهناك 12 وجهة لشركة طيران الإمارات و11 وجهة للخطوط الجوية القطرية في أمريكا تفوقتا على الشركات الأمريكية في عقر دارها. منذ سنتين تتعرض ثلاث شركات خليجية (طيران الاتحاد، طيران الإمارات، الخطوط الجوية القطرية) لحملة في واشنطن تشنها بعض الشركات الأمريكية وتتهمها بالحصول على إعانات حكومية ضخمة تضر بالمنافسة العادلة وباتفاقيات التجارة الحرة، وهو ما تنفيه تلك الشركات الخليجية.
الشركات الأمريكية أعادت الشهر الماضي فتح ملف المنافسة وحثَّت ترامب على مراجعة اتفاقيات الأجواء المفتوحة التي تسمح للشركات الخليجية بحُرية التنقل من الإمارات وقطر إلى أي وجهة بأمريكا. النجاح الهائل لتلك الشركات الخليجية حرك أيضاً غيرة الشركات الأوربية التي اقتفت أثر الشركات الأمريكية، بطلب مماثل وجهته للاتحاد الأوروبي بداية الشهر الحالي، متهمة الشركات الخليجية بالحصول على دعم حكومي بنحو 40 مليار يورو مما يناقض حرية التجارة، فضلاً عن السماح للشركات الخليجية بالاستثمار الواسع في الشركات الأوروبية.
وفي وقت سابق، قال أوسكار مونيز الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد إيرلاينز إن انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد المعني بأمركة الوظائف يمنح شركات الطيران الأمريكية الفرصة لإعادة تشديد الموقف الأمريكي بمواجهة الشركات الخليجية الثلاث، والمطلوب هو إعادة توازن المنافسة في السوق.. لكنه مع ذلك قال مسترسلاً بما هو خارج مجال المنافسة الحرة وداخل مجال الحماية: «.. الأهم بالنسبة لنا أن قطاع الطيران في أمريكا بحاجة لحماية نفسه والحفاظ على الوظائف فيه للأمريكيين... أظن أن الحقائق أمامنا تدعم حقيقة أننا في مسرح منافسة غير عادلة ونريد أن نعيد العدالة إليه...»
فهل سبب الحظر هو ضغط شركات الطيران الأمريكية؟ مسؤول أمريكي رفيع المستوى نفى ذلك ذاكراً إن معلومات استخباراتية تم الحصول عليها خلال الأسابيع الأخيرة بأن تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب» يعمل على تحديث تقنيات إخفاء المتفجرات في بطاريات الأجهزة الإلكترونية التجارية داخل مقصورات الطائرات خلال رحلات محددة.. لكن المسؤولين رفضوا تقديم معلومات أكثر حول التهديد أو سبب اختيار شركات طيران أو مطارات معينة (سي إن إن).
السؤال الأهم هنا: لماذا تم تحديد شركات معينة دون سواها؟ من المحتمل أن الحظر يستند إلى عوامل الخطر التي تدرسها وزارة الأمن الأمريكي في برنامجها لإدارة المخاطر من الدول ومشغليها.. إذ يبدو أن المخاطر تستهدف بعض المشغلين.. والوزارة تراجع معايير الأمن والبيانات الأمنية التي لا يعلمها عامة الناس..» حسب قول مايكل دانيال المدير السابق لإدارة الطيران الفيدرالية. ذلك يعني أن المعلومات المكتشفة تفيد بعمل التنظيم الإرهابي على نظم شركات خطوط معينة في بلدان معينة، ولهذا تم تحديدها في الحظر دون غيرها.
ما هي ردود شركات الطيران المعنية بقرار الحظر؟ شركات الطيران الخليجية الثلاث رفضت التعليق وأعلنت أنها ستلتزم بالتوجيهات. أما الرد الرسمي فجاء من وزير الاقتصاد ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني بالإمارات سلطان المنصوري بأن القرار مفاجئ لأن قطاع الطيران الإماراتي والمطارات الإماراتية أثبتت أنها آمنة وإجراءاتها صارمة، مؤكداً مواصلة التعاون مع السلطات الأمريكية وحول العالم لضمان السلامة..
ما هي الآثار المترتبة على هذا الحظر؟ قد تشكل ضربة موجعة لشركات الطيران الكبرى بالشرق الأوسط، فقد تخسر بعض الزبائن الذين سيتوجهون لشركات طيران أخرى غير مشمولة بالحظر.. نسبة الخسارة هذه حددها البعض بنحو الثلث في الرحلات المتوجهة لأمريكا. أحد كبار المسؤولين بإحدى شركات الطيران الخليجية قال للسي إن إن إنه يراقب الحجوزات عن كثب، ويتوقع أن تنخفض بعد قرار الحظر، واصفاً هذا القرار بأنه «غير عادل» ولا مبرر له. هناك أيضاً تكاليف الإجراءات الأمنية الإضافية، وإقناع الركاب للامتثال لتلك القرارات، وإجراءات التسهيل عليهم للمواءمة مع الوضع الجديد مثل إبقاء الأجهزة معهم حتى ما قبل صعود الطائرة وهو ما بدأت العمل به الخطوط الإماراتية..
هل اتضحت تفاصيل القصة؟ لا تزال الأسباب الأمنية غير واضحة ولا كافية؛ وإذا كان من حق المسؤولين الرسميين التحفظ على توضيح الأسباب لدواعي أمنية، فإنه أيضاً من حق المتضررين التجاريين الشكوى بعدم عدالة الحظر وضعف مبرراته لا سيما مع خلفية المنافسة الشرسة بين شركات الطيران.. بين هذا وذاك فإن الإجابة الحاسمة تحتاج بعض الوقت، فالقصة لا تزال طي الكتمان ونحن نفكك ما بين سطورها الغامضة.