مها محمد الشريف
من طبيعة قضايا السياسة المطروحة أن قيمتها وعوامل الاهتمام بها تعتمد على سمو هدفها، وتناوله بدقة أكثر، ومباشرة مستمرة..
وفي هذا الإطار يبدو أردوغان ومعه تركيا في بؤرة الاهتمام الدولي منذ تفجُّر الربيع العربي، واستمر كل ما يحدث في أوروبا وتركيا مؤكدًا ازدواجية تجعل السياسة في الداخل محصنة، وفي الخارج ما يشبه الحرب ضد باقي العالم أو العكس. وهذا يكشف عن تمفصل البعدين المحلي والدولي في جسد السياسة وفي عضوه التركي..
ومن هذا المنطلق يمكن للمتابع أن يتساءل:
لماذا اختار أردوغان معركة مع الاتحاد الأوروبي بشأن الاستفتاء التركي؟
فمن الملاحظ أنه منذ محاولة الانقلاب العسكري في الصيف الماضي وتصريحات أردوغان متفاوتة من حيث الحدة والغضب، بين مطالبة بتشديد العقوبات ومطلب الديمقراطية، بعد انهماكه في معركة فرضها على نفسه من أجل البقاء السياسي (وهو من يوصف بالسياسي البارع)، والإبقاء على التهديدات المستمرة للدولة لإقناع الشعب التركي بأنه يحتاج إلى نوع مختلف من الديمقراطية. لكنَّ هناك قلقًا كبير في ألمانيا وفرنسا من تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتهديده بفتح الحدود أمام المهاجرين الراغبين في التوجه إلى أوروبا في رده غداة تصويت البرلمان الأوروبي الذي طلب فيه تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد مؤقتًا..
وثمة سؤال آخر يبحث عن إجابة:
لماذا هذا التصعيد من قِبل الرئيس التركي؟ وما هي أهدافه؟ بطبيعة الحال، هناك اعتقاد واسع النطاق بأن العداء مع الدول الأوروبية يجعلها تتحد ضد تركيا، وتعرقل انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يمكن تناسيه..
ومما سبق نستنتج أن هذا التصعيد سيجعل المهمة أكثر صعوبة بالنسبة إلى تطلعات حزب العدالة والتنمية الحاكم (AKP) إلى الأتراك المقيمين في أوروبا، وعددهم 4 ملايين، وكثير منهم من حاملي الجنسية المزدوجة. وفي هذه الحالة يمكن القول إن لهم الحق في التصويت، وخوف أردوغان من مناهضة هؤلاء المغتربين لولاية أخرى له؟
وكان لدى قادة الحزب سبب للاعتقاد بأن الأتراك في ألمانيا مؤيدون لأردوغان: في تشرين الثاني / نوفمبر عام 2015، عندما أعطى الشعب التركي أردوغان آخر ولاية له في الانتخابات الوطنية، وكان قد دعم حزب العدالة والتنمية بين الناخبين الأتراك في ألمانيا 60 في المئة (وهي أعلى بـ 10 في المئة مما كانت عليه النسبة في تركيا).
بعد فرض الحظر الألماني الأول صعد حزب العدالة والتنمية على الفور الخطاب الاتهامي، والتهديد بالانتقام، إلى مستوى أكثر انفعالية، وصور تركيا، وحملة نعم، ضحايا مؤامرة، وقوبلت النضالات الشعبية بالقمع من خلال منطلقات اقتصادية وسياسية، وشجب وزير العدل وفي الوقت نفسه أدان ما يعتقد أنه «الممارسة الفاشية»، واتهم وزير الاتحاد الأوروبي في تركيا عمر جيليك النمساويين «باستخدام لغة العنصريين الأوروبيين».
بالنظر إلى تاريخ تركيا وألمانيا أوضحت قناة «سي إن إن ترك» أن الخطوة التركية جاءت بعد أن ألغت إحدى المدن الألمانية تجمعًا يؤيد التعديل الدستوري في تركيا. واحتجاجًا أيضًا على هذه الخطوة قال وزير العدل التركي بكر بوزداغ إنه عدل عن زيارة كانت مقررة إلى ألمانيا.
في هذه الأثناء تتعرض العلاقات بين تركيا ودول أوروبية عدة إلى أزمة على خلفية منع هولندا وزيرين تركيين من دخول أراضيها، وتوعد القادة الأتراك هولندا بإجراءات عقابية، واتهموا ساستها بالفاشية، في حين دعت فرنسا إلى التهدئة مع دخول دول أوروبية أخرى على خط المواجهة في الخلاف بشأن عقد تجمعات سياسية لحشد تأييد الجاليات التركية للتحول نحو النظام الرئاسي في إطار الاستفتاء المقرر بتركيا في 16 إبريل/ نيسان القادم.
وترددت عبارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «إن هولندا ستدفع ثمنًا باهظًا» من جراء منع وزراء أتراك من التحدث في لقاءات جماهيرية مع أتراك مقيمين في الخارج، وحشد التأييد لاستفتاء التعديلات الدستورية. وقد أثارت هذه الاتهامات التركية غضب سلطات هولندا وألمانيا.
لن نسهب هنا في سرد مزيد من الأحداث؛ لأن هناك أخطارًا أخرى تتربص بأمن تركيا وعلاقاتها بأوروبا.. والتسوية الدبلوماسية تحظى بالدعم العالمي الشامل، وبذلك يكون أمن واستقرار تركيا على المحك. لو قلنا إن ما جرى بعد فشل الانقلاب وضع جديد واعتبارات سياسية، لا ينبغي تجاهلها، انتهت بتوريط تركيا في حرب أكراد سوريا، وتنفيذ عمليات إرهابية عدة على أراضيها، استهدفت زعزعة الأمن الداخلي، وتصعيد داخلي من المراسيم والاعتقالات والأحكام المؤبدة.. ساهمت في حالة التوتر، أضف إلى ذلك تلك المستجدات الخطيرة، وتدهور العلاقات الدولية بين تركيا ودول أوروبية، وقبلها الولايات المتحدة.. هي - بلا أدنى شك - أحداث سيتعاظم وقعها على حزب أردوغان، ونقطة انطلاق نحو مزيد من الإجراءات التي تتعلق بالتغيير في الداخل بعد دعوة أردوغان لتجديد الدستور.