د. محمد عبدالله العوين
لا يمكن لإنسان عاقل متزن معتدل التفكير أن يبحث عن مسوغات للإرهاب، وقد جرت العادة أن يوجه اللوم بعد كل عمل إرهابي ذميم إلى من ارتكب جناية العمل الآثم، وهو - لا شك - لوم في محله؛ بيد أن الأحق باللوم في حقيقة الأمر هو من هيأ أو سهل أو منح الفرصة لنمو الجماعات الإرهابية على أرضه واحتضانهم ومنحهم حق الإقامة ورعايتهم والصرف عليهم والسماح لهم بالتعبير عن آرائهم وأفكارهم المتطرفة التي لا يتورعون فيها عن التصريح بعدائهم للدولة المضيفة نفسها وتهديدها بالويل والثبور ونعتها بأقذر الألفاظ وأشدها قبحاً، وفي الوقت نفسه تقابل السلطات البريطانية هذه الحماقات الصبيانية الجاهلة من المتطرفين التكفيريين وغيرهم من عشرات الجماعات الفارة الهاربة من ديارها بالصمت وغض الطرف؛ تفعل ذلك بالبرود الإنجليزي المعهود بحجة حماية «حقوق الإنسان»!.
هذا ما يبدو على السطح وفي ظاهر الأمر؛ ولكن ربما للسياسة البريطانية العتيقة الصامتة البعيدة عن الجعجعة أهداف ومرام بعيدة. وما حدث يوم الأربعاء الماضي وقبله من أعمال إرهابية؛ كتفجير قطارات لندن في عملية متزامنة 7 يوليو 2005م وتسببت بمقتل 50 وإصابة 700 إنما هو نتيجة وثمرة مرة لغض الطرف من قبل السلطات البريطانية عن نشاط جماعات إرهابية عدة تقيم على أراضيها، ولو تبسطنا بصورة أكثر رحابة وتعمقنا بطريقة تسبر غور العلاقة بين المخابرات البريطانية وجماعات الفكر المتطرف؛ كجماعة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير، وغيرهما؛ لوجدنا أن لندن أصبحت الملجأ الآمن لكثير من عناصر تلك الجماعات المتطرفة وأطياف ممن يطلقون على أنفسهم صفة «معارضة» ويريدون بإطلاق وصف المعارضة على أنفسهم تبرئتهم من أي اتجاه أيدلوجي أو ديني عنفي؛ ليحظوا بمنحهم الإقامة في بريطانيا على أنهم لاجئون سياسيون فقط حسب الدستور البريطاني الديموقراطي؛ ولكنّ كثيرين منهم ليسوا في حقيقة الأمر إلا منتمين انتماء خالصاً وعميقاً لتيارات وجماعات دينية متطرفة؛ بعضها تكفيري يجاهر بذلك في منشوراته وأحاديثه وبرامجه الإعلامية؛ كحزب التحرير الإسلامي الذي يدعو إلى إقامة خلافة إسلامية ويكفر من يخالف اتجاهاته المتطرفة، أو جماعة طيبة الإرهابية، أو جماعة الإخوان المسلمين، ولبريطانيا علاقة مزمنة مع هذه الجماعة الأم لتفريخ أنواع وأشكال من التيارات المتطرفة الإرهابية، فتشير مصادر تاريخية إلى أن للمخابرات البريطانية يداً طولى في نشأة الجماعة ودعمها وتبني خطابها الإسلامي القائم على أنقاض الخلافة العثمانية والبديل لمفهوم القومية العربية الذي كان وليداً آنذاك ومندساً في إعلان «الثورة العربية الكبرى» التي أطلقها الحسين بن علي في 2 يونيو 1916م الموافق 9 شعبان 1334هـ وإذا كان حسن البنا قد أعلن عن جماعته لأول مرة في عام 1928م فإن المخاوف الإنجليزية من تنامي الدعوة إلى القومية العربية حتى بعد فشل أو إفشال ثورة الحسين على الأتراك ودفن فكرة القومية مؤقتاً؛ فإن مخاوف بريطانيا من تولد شرارة فكر قومي جديد قد دفعها إلى تبني واحتضان جماعة البنا والتنسيق معه، واستمر التعاون بين المخابرات الإنجليزية والجماعة في عهد جمال عبد الناصر كخط مقاومة إنجليزية للفكر القومي النشط في الخطاب الناصري، وهو ما يفسر اليوم استضافة لندن ورعيتها وحدبها واهتمامها بعناصر الجماعة الفارةن ديارها الأصلية ومنحها الجنسية أو حق الإقامة الدائمة، واستضافة لندن أيضا أصحاب الدعوات الفكرية النشاز ومن يلتحفون كذباً باسم «المعارضة السياسية» ويتخفون على فكر ظلامي موغل في تطرفه؛ ليكونوا عوناً للسياسة البريطانية في تحقيق أهداف تغييرية في خارطة المنطقة العربية والإسلامية متذرعة بدعاوى «حقوق الإنسان» المزعومة، وما تجنيه بريطانيا اليوم وما جنته بالأمس هو والحق تمرد الذئب على من أطعمه وسمنه ورباه، فليس لفكر الإرهاب قيم ولا وفاء ولا إحساس بكرم الضيافة، فالسياسة لها أهداف تدفعها إلى الإكرام والاستضافة، والفكر الإرهابي له تطلعات وطموحات وعداوات وانتقام وثأر ممن يصفهم بالكفار، وعلى رأسهم الإنجليز الذين آووهم واستضافوهم وصرفوا لهم مرتبات المعيشة كلاجئين.
أيها الإنجليز أخرجوا الإرهابيين من دياركم تسلموا!